كتبت: رولا القط
تحليل تصريحات الرئيس الإيراني في المقابلة مع *سي إن إن* يكشف عن محاولة واضحة من النظام الإيراني للتوازن بين إظهار الرغبة في السلام وبين التمسك بأوراق الضغط الإقليمية المتمثلة في حلفائه، وعلى رأسهم حزب الله. النظام الإيراني يواجه معضلة أساسية: من جهة، هو لا يستطيع تحمل الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل أو الغرب بسبب الوضع الداخلي الهش. ومن جهة أخرى، يحتاج إلى الحفاظ على دوره كلاعب رئيسي في المنطقة من خلال دعم جماعات مسلحة مثل حزب الله.
تصريحات بيزشكيان بأن حزب الله لا يمكنه مواجهة إسرائيل بمفرده، مع اعترافه بالدعم الغربي الواسع لإسرائيل، تشير إلى إدراك إيران أن ميزان القوى ليس لصالحها وحلفائها في حال اندلاع حرب مباشرة. وفي الوقت نفسه، استخدامه لخطاب السلام والتفاوض مع إسرائيل يعكس رغبة النظام في تجنب التصعيد العسكري، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة داخلياً.
ما يُثير الاهتمام في هذا السياق هو تناقض التصريحات بين بيزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي. هذا التناقض يعكس حالة من الارتباك أو ربما تعدد الأصوات داخل النظام الإيراني، حيث يحاول كل طرف الترويج لرواية معينة وفقًا لجمهوره المستهدف. ففي الوقت الذي يتحدث فيه بيزشكيان عن استعداد إيران لخفض التوتر مع إسرائيل، ينفي عراقجي هذا التصريح، مما قد يشير إلى وجود انقسامات داخل القيادة الإيرانية حول كيفية التعامل مع التوترات الإقليمية.
إيران طالما اتبعت سياسة استخدام وكلائها في المنطقة كأدوات للحفاظ على نفوذها ولإدارة الأزمات بعيداً عن أراضيها. هذه السياسة تبدو الآن أكثر أهمية للنظام في ظل الظروف الداخلية المتفاقمة. دعم حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى لا يعزز فقط مكانة إيران كقوة إقليمية، بل يساعد أيضاً في منع انتقال التوترات إلى داخل إيران نفسها. لذلك، أي حديث عن “التخلي” عن حزب الله لا يعدو كونه شائعة لا تعكس الواقع، فالنظام الإيراني يعتمد على هذه الجماعات كأداة لحماية استقراره الداخلي.
في النهاية، تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول السعي للسلام قد تكون مجرد ستار يخفي وراءه قلق النظام من الوضع الداخلي. هذا النظام يواجه أزمة شرعية كبيرة مع استمرار الاحتجاجات وتدهور الاقتصاد، وليس في موقع يسمح له بالدخول في صراعات إقليمية جديدة. بدلاً من ذلك، يبدو أن إيران تفضل الاستمرار في استخدام حلفائها الإقليميين كأدوات للضغط والتفاوض، مع إبقاء الأوضاع تحت السيطرة قدر الإمكان لتجنب انهيار داخلي محتمل.
في هذا السياق، يبقى النظام الإيراني في موقف ضعيف، حيث تحاول قيادته تفادي الانهيار باللعب على الحبال الإقليمية، مستخدمة الخطاب الدبلوماسي من جهة، والجماعات المسلحة من جهة أخرى. لكن مع استمرار الضغوط، قد يجد النظام نفسه في مواجهة صعبة، حيث لن يكون قادراً على الاستمرار في هذه المناورة إلى الأبد.