جريدة الأخبار
دخلت العملية العسكرية التي أطلق عليها الاحتلال مسمّى «السور الحديدي» في الضفة الغربية، أمس، أسبوعها الثاني في مدينة جنين ومخيمها، ويومها الثاني في طولكرم ومخيمها، في وقت قال فيه المحلل العسكري لـ«القناة 13» العبرية، ألون بن ديفيد، إن «منظومة الأمن» الإسرائيلية عبّرت عن «رضاها» على مستوى التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية أثناء العملية في جنين. وبدا واضحاً مع اليوم الثاني للعدوان في طولكرم، والذي بدأ بغارة استهدفت قائد «كتائب القسام» إيهاب أبو عطيوي، وامتد ليتحول إلى تجريف لمظاهر الحياة بالقرب من مستشفى «ثابت ثابت الحكومي» تحت ذريعة تدمير البنية التحتية «الإرهابية»، استخدام جيش الاحتلال التكتيكات العسكرية نفسها التي استخدمها في جنين، والتي تشمل الاقتحامات والتضييق والحصار المشدد والتدمير الواسع لممتلكات المواطنين والبنية التحتية، وسط تهجير السكان.
ودفع العدو، أمس، بمزيد من آلياته تجاه طولكرم ومخيمها، الذي فرض عليه حصاراً مشدداً، وسط أعمال تدمير للبنية التحتية في عدد من حاراته، طاولت شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والإنترنت، ولا سيما في حارات البلاونة والمدارس والوكالة، فيما دمّر الاحتلال عدداً من المنازل والمحال التجارية وأحرق منزلاً لعائلة شاهين في الحارة الأخيرة. كما أجبرت قوات العدو عشرات العائلات في المخيم على مغادرة منازلها تحت تهديد السلاح، وتحديداً من حارتي المطار ومربعة حنون، وعدم العودة إليهما لمدة أسبوع، في الوقت الذي استولت فيه على عدد من منازل الفلسطينيين والمباني ذات الطبقات العالية، وحوّلتها إلى ثكنات عسكرية وأماكن لقناصتها، ولا سيما في الحي الغربي للمدينة. وترافق ذلك مع إطلاقها للأعيرة النارية بكثافة وبشكل عشوائي، ونشرها لفرق المشاة في محيط المقبرة الغربية وشارع النزهة في المنطقة، بالتزامن مع تحليق متواصل ومكثف لطيران الاستطلاع على ارتفاع منخفض. وبعدما استهدف قناصة العدو المتمركزون في إحدى البنايات السكنية في الحي الغربي لطولكرم محوّل الكهرباء في المنطقة، بإطلاق الأعيرة النارية عليه، ما أدى الى انقطاع الكهرباء عن أجزاء واسعة من المدينة، ومخيمها، منع الاحتلال، في وقت لاحق، طواقم بلدية طولكرم من العمل على إصلاح الخلل في محوّل الكهرباء بذريعة أن «المنطقة عسكرية مغلقة».
ولليوم الثاني على التوالي، واصلت قوات الاحتلال، حصارها لمستشفيَي «الشهيد ثابت ثابت» و«الإسراء التخصصي»، متابعةً عرقلة عمل مركبات الإسعاف والطواقم الطبية، فيما جرفت البنية التحتية في الشارع المؤدي إلى المستشفى الأول، وطاردت أيضاً الصحافيين أثناء عملهم الميداني، وألقت قنابل الصوت والرصاص في اتجاههم، ما أدى إلى إصابة الصحافية نغم الزايط بشظايا الرصاص. كما منعت قوات الاحتلال مركبة إسعاف من نقل أحد المصابين إلى المستشفى، وأجبرتها على نقله إلى حاجز «سنعوز» غرب المدينة، ثم اعتقلت الجريح رغم خطورة حالته. واعتقلت أيضاً الشاب جهاد القزلي من ضاحية اكتابا شرق طولكرم، عقب الاعتداء عليه بالضرب، والمواطن سامر حسني أمين السعد من المدينة، بعد دهم منزليهما وتفتيشهما. وفي تطور لاحق، اقتحمت آليات العدو منطقة جبل النصر في مخيم نور شمس شرق طولكرم، وتمركزت في محاوره الرئيسية.
وفي المقابل، استمرّ مقاومو «كتيبة طولكرم»، من جانبهم، في التصدّي لقوات الاحتلال، التي خاضوا معها، أمس، اشتباكات مسلحة في عدة محاور، كما قاموا بتفجير العديد من العبوات الناسفة بالآليات العسكرية الإسرائيلية. وقالت «كتيبة طولكرم» إن مقاتليها حققوا «إصابات مؤكدة» في صفوت قوات العدو، لافتة إلى تمكّنهم من «نصب عدة كمائن لقوات المشاة الصهيونية التي حاولت التسلل إلى داخل المخيم».
أما في جنين التي خلّف العدوان عليها 16 شهيداً وعشرات الإصابات والاعتقالات، والإخلاء القسري للعائلات، فضلاً عن تدمير 100 منزل وإحراقها داخل المخيم، في ظل استمرار عمليات التدمير الممنهج للبنية التحتية، والحصار المشدّد لمنع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الدخول، فقد دفع جيش الاحتلال بتعزيزات عسكرية جديدة إلى المدينة ومخيمها من حاجز الجلمة، بالتزامن مع تحليق الطائرات المُسيّرة في سماء المخيم. وفي سياق استكمال عملية التهجير تلك، داهم جنود العدو المنازل عند المنطقة المعروفة بدوار الحصان، عند مدخل المخيم، وأجبروا المواطنين على إخلاء منازلهم، تمهيداً لهدم أجزاء منها، فيما واصلت جرافات الاحتلال فتح طرق في عمق مخيم جنين، وتحديداً في المنطقة المعروفة بشارع مهيوب، وتواصلت عمليات التجريف وتدمير البنية التحتية في حارتي الحواشين والألوب، فضلاً عن هدم «مسجد حمزة» في المخيم.
وفيما سُمعت بين حين وآخر أصوات انفجارات واشتباكات مسلحة في المدينة ومخيمها، وسط استهداف المقاومة آليات الاحتلال بعبوات ناسفة محلية الصنع، أظهرت مقاطع متداولة سحب العدو ناقلة جند أعطبتها المقاومة، نحو حاجز الجلمة. وكانت قوات الاحتلال اقتحمت بلدة عرابة جنوب غرب جنين، وحاصرت منزلاً ودفعت تعزيزات إلى محيطه وسط تحليق الطيران في سماء البلدة، حيث اعتقلت معاذ حشاش شقيق الشهيدين حارث وهمام، اللذين ارتقيا عقب قصف العدو منزلهما في حرج السعادة في مدينة جنين، في الخامس من تموز الماضي، ولا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثمانيهما. كما أعلن جيش العدو نيته هدم منزل الشهيد نضال العامر في مخيم جنين، بزعم تنفيذه عملية تفجير ناقلة جند بالاشتراك مع الشهيد همام حشاش، كانت أسفرت عن مقتل النقيب الإسرائيلي، ألون سكاجيو، وإصابة 16 جندياً قبل أشهر.
وفي غضون ذلك، تستمر الاعتقالات في عدد من بلدات الضفة ومدنها، وسط عمليات تحقيق ميداني. ومنذ مساء أول أمس وحتى صباح أمس، اعتقلت قوات الاحتلال 15 مواطناً على الأقل، بينهم أسرى سابقون، حسبما أفاد بيان مشترك لكل من «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» و«نادي الأسير»، وتوزّعت تلك الاعتقالات على طولكرم، والخليل، ونابلس، ورام الله، وبيت لحم، والقدس. ويأتي هذا في وقت تقتحم فيه قوات الاحتلال عدداً من المناطق في الضفة، وسط إجراءات عسكرية مشددة، ولا سيما في محيط نابلس، على حاجزي دير شرف وصرة غرب المدينة، وحاجزي المربعة وعورتا جنوبا، وحاجز بيت فوريك شرقاً، ما تسبب بأزمة مرورية خانقة، واحتجاز آلاف المواطنين عند الحواجز لعدة ساعات.
وفيما من المقرر أن يدخل الحظر الإسرائيلي على عمل «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، غداً، قال المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، أمس، إن هذا القرار «سيكون كارثياً وسيشل عمل الوكالة في قطاع غزة والضفة الغربية»، لافتاً، أمام «مجلس الأمن»، إلى أن الحظر «يزيد من عدم الاستقرار ويعمّق اليأس في الأراضي الفلسطينية المحتلة في لحظة حرجة»، ويقوّض اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويخرّب عملية تعافي القطاع والانتقال السياسي.