عبد الفتاح البرهان وسط مجموعة من السودانيين في شارع بورتسودان، 14 يناير 2025 (فرانس برس)

العربي الجديد

تتمسك أحزاب وقوى سياسية وعسكرية سودانية، قريبة من قوات الدعم السريع بالإعلان عن حكومة موازية بمناطق سيطرة تلك القوات، رغم تقدم الجيش اللافت في هذه الأيام. وفي الساعات الماضية، أعلنت قيادات سياسية مؤيدة لفكرة تشكيل الحكومة الموازية، نيتها الإعلان رسميا عنها في شهر فبراير/ شباط المقبل، لمنازعة الحكومة في بورتسودان التي يقودها قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، كما حددت تلك القوى العاصمة الخرطوم مقرا للحكومة الموازية التي تشابه في فكرتها النموذج الليبي القريب.

ومنذ أشهر عديدة، برزت أصوات داخل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” وهي تحالف سياسي، تشكل في أكتوبر/تشرين الماضي، بهدف وقف الحرب واستعادة التحول الديمقراطي في السودان، تدعو لتشكيل حكومة موازية تكون موجودة بمناطق سيطرة الدعم السريع وتمثل كل السودان، وتعمل على توفير الأمن والخدمات الصحية والتعليمية للمواطنين، وتستند في شرعيتها إلى ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 والتي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وتمضي الفكرة أكثر بمنازعة حكومة بورتسودان في الموارد القومية مثل النفط والذهب، كما تذهب إلى أبعد من ذلك بإصدار عملة جديدة على غرار ما اتخذته الحكومة قبل شهر تقريبا. 

وتنتشر قوات الدعم السريع، حتى الآن في أجزاء من ولايات الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض، وتسيطر فعليا على أربع ولايات بإقليم دارفور، ومناطق واسعة من شمال دارفور، ليس من بينها مدينة الفاشر، عاصمة الولاية والمدينة التاريخية والتي تدور فيها معارك منذ مايو/آيار الماضي، في مسعى من الدعم السريع للسيطرة عليها وضمها لمناطق سيطرته. وكذلك تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء من إقليم كردفان، في غرب البلاد. 

لكن سيطرة “الدعم السريع” تلك، مهددة بالانهيار في عدد من المناطق، بعد العمليات العسكرية الواسعة التي دشنها الجيش في الأشهر الأخيرة ونجح فيها بإعادة الاستيلاء على مدن كبيرة مثل ود مدني وسنجة والدندر، ومناطق جبل موية وأم القرى، وتوج جهده بتحقيق أكبر اختراق في العاصمة بفك الحصار عن مقر قيادته وسط الخرطوم، وعن سلاح الإشارة، جنوب الخرطوم بحري، عدا انفتاحه الكبير على أحياء مدينة الخرطوم بحري، وهو مسعى ربما يكتمل في الساعات المقبلة بإعادة السيطرة على كامل المدينة. 

ومع تلك التطورات الميدانية، كان متوقعا تراجع فكرة تشكيل الحكومة الموازية، إلا أن ما حصل العكس، إذ عاد إلى السطح مرة أخرى بدعم ومساندة من عدد من مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، على رأسها الجبهة الثورية المكونة من عدد من الحركات المسلحة مثل تجمع قوى التحرير بقيادة عضو مجلس السيادة السابق الطاهر حجر، وحركة تحرير السودان، والمجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس العضو السابق أيضا بمجلس السيادة، كما تحظى بدعم من مؤتمر البجا المعارض، وحزب الأسود الحرة، وحركة العدل والمساواة السودانية- فصيل سليمان صندل، وتنظيمات أخرى أقل حجما، كما تدعم الفكرة، شخصيات مستقلة مثل عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، ووزير العدل السابق، نصر الدين عبد الباري. 

لكن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” وخلال مؤتمر لهيئتها القيادية التي انعقدت في مدينة عنتبي الأوغندية، الشهر الماضي، اتخذت قرارا برفض الفكرة جملة وتفصيلا، وعدتها مهددة لوحدة السودان. 

ولم تيأس القوى الداعمة للمقترح، وذهبت إلى نيروبي، وعقدت اجتماعات منفصلة للتباحث في تنفيذ المقترح بعيدا عن “تقدم” واستمرت المشاورات لأسابيع عدة، ولم تنته بعد. ووفقا لآخر التصريحات من الداعمين المجتمعين في العاصمة الكينية نيروبي، فإن الحكومة الموازية ستعلن في شهر فبراير/شباط المقبل بمشاركة الدعم السريع، وستتكون من مجلس سيادة ومجلس وزراء وجهاز تشريعي، مقللين من أي تحذيرات بشأن تقسيم البلاد، حال تشكيل حكومة موازية. 

من جانبها، تساند قوات الدعم السريع نفسها، فكرة تشكيل حكومة موازية، وقالت أكثر من مرة، إن شرعية ما تسميها “حكومة بورتسودان” سقطت منذ انقلابها على الحكومة المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عقب الانقلاب العسكري، وتعهدت بالوقوف مع أي حكومة تنشأ وتعهدت بتوفير الحماية لها وكل ما يدفعها للأمام، فيما تحدثت تقارير إعلامية غير مؤكدة، عن أن قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو سيكون جزءا من الحكومة ويرأس مجلس السيادة فيها.

ومع إصرار تلك القوى على تشكيل حكومة موازية، تصر قوى “تقدم” على رفض الفكرة كليا، كما جاء في بيانات لأحزاب داخل التنسيقية مثل حزب الأمة القومي الذي أكد رفضه في بيانات رسمية للمقترح، كما اعترض على مشاركة رئيسه فضل الله برمة ناصر في اجتماعات نيروبي، وكذلك رفض كل من حزب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والحركة الشعبية التيار الثوري، المقترح. وطبقا لمتابعات “العربي الجديد” فإن رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية عبد الله حمدوك، عقد اجتماعات في الساعات الماضية، هدفها حسم الأمر كليا بفك الارتباط بين التنسيقية ومكوناتها الداعمة لمقترح تشكيل حكومة موازية، وربما تنتهي الاجتماعات بمفاصلة بين الفريقين.

من جانبه، يقول الصحافي والقريب من دوائر اتخاذ القرار في “تقدم”، ماهر ابو جوخ، لـ”العربي الجديد”، إن “فكرة الحكومة الموازية خلقت تصدعا كبيرا داخل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، بدأ في المؤتمر التأسيسي في مايو/آيار الماضي، حينما عرض الأمر لأول مرة، وحينها وجد المقترح رفضا عند إدراجه، قبل أن يعاد طرحه مرة أخرى عند نقاش تدابير نزع الشرعية عن مجموعة بورتسودان من خلال اقتراح الحكومة الموازية كبديل وخيار أوحد لنزع الشرعية”، مبينا أن الأمر تطور بخروجه للعلن في اجتماع الهيئة القيادية الأخير في عنتبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي. 

وأشار أبو جوخ إلى أن المقترح أحدث اصطفافا وتصدعا داخل “تقدم” وبين مكوناتها قد يتحول لانقسام وفراق إذا ما تمسك كل طرف بموقفه دون الوصول لصيغة متوافق عليها. وأضاف أن “فرص الوصول لهذه الصيغة المتوافق عليها تتراجع وتتلاشى نسبة لشروع المجموعة الداعمة لهذا المقترح في تدابير عملية تجاه خيار تكوين الحكومة، تجاوزت الأفكار إلى شكل الهياكل، ولاحقا لمن يشغلها، وتبقي منها تسمية شاغلي تلك المواقع”، وهذا يدل بحسب أبو جوخ على أن المتبقي الإعلان فقط دون وجود أي أمل لإعادة نقاش الأمر أو تأجيله أو حتى تأخيره، مشيرًا إلى أن ذلك “يزيد إمكانية الانقسام الذي يحمل توجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون سلسا بكل هدوء، فيمضي كل طرف نحو خياره وغاياته وأهدافه دون توقف عند محطة الطرف الآخر، أو لأن يكون فراقا خشنا يترتب عليه صراع سياسي وإعلامي بين الطرفين”، مبينا أن حدوث السيناريو الأخير سيمثل تعقيدا إضافيا في المشهد المرتبك أصلا بسبب تصدعات الحرب.

الحكومة السودانية: تشكيل حكومة موازية مؤامرة جديدة

على صعيد آخر، تنظر الحكومة السودانية إلى خطوة تشكيل حكومة موازية لها، بأنها مؤامرة جديدة على السودان وتتهم جهات دولية بدعمها، مؤكدة أن “الفكرة نفسها جاءت بعد فشل قوات الدعم السريع في السيطرة على الحكم بقوة السلاح، وأن ما أصابها من إحباط بعد انتصارات الجيش دفعها لتلك الخطوة”، معربة عن أملها في عدم حصول الخطوة على أي اعتراف دولي.  

ويوضح محمد زكريا، الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية، وهي تحالف داعم للحكومة وللجيش، أن اتجاه قوات الدعم السريع والقوى السياسية المتحالفة معها لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتها، بـ”مثابة قفزة في الظلام وتخبط، وتقف دليلا وشاهدا على أن مليشيا الدعم السريع لا تمتلك مشروعا برؤية سياسية، وخصوصا أن الخطوة تأتي بعد مضي عامين على الحرب”. وأضاف زكريا خلال حديث مع “العربي الجديد”، أن “ذلك التوجه يفضح الذين أعلنوا أنهم في صف الحياد خلال الحرب، ويؤكد أنهم ارتضوا أن يكونوا ضمن مخططات مليشيا الدعم السريع، وبذلك يكون هذا دليلا على أنهم مجرد جناح سياسي للمليشيا، كما هو دليل على دورهم في إشعال الحرب”.

وجزم محمد زكريا، بأن تلك الخطوة لن تجد استجابة ولا اعترافا محليا أو دوليا وإقليميا، وقبل ذلك لن تجد اعترافا من الشعب السوداني، لأن هناك حكومة سودانية واحدة تدافع تحت رايتها القوات المسلحة السودانية والقوى المشتركة، ضد انتهاكات قوات الدعم السريع والمتحالفين معها، وضد سيناريوهات إضعاف وتفتيت وحدة البلاد، مشيرًا إلى أن الانتصارات الكبيرة للجيش والقوى المشتركة والتشكيلات المساندة في مختلف جبهات القتال وآخرها في بحري، وكذا صمود الفاشر المستمر، قطعت الطريق تماما أمام مخططات تشكيل حكومة في أي بقعة من بقاع السودان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *