آليات ثقيلة تعمل على إزالة الأنقاض في غزة، 19 يناير 2025 (حنين سالم/الأناضول)

العربي الجديد

انطلقت جهود مكثفة لإزالة الأنقاض وفتح الطرق في مختلف مناطق قطاع غزة بعد توقف القصف وبدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يعد هذا العمل الخطوة الأولى نحو إعادة الحياة إلى طبيعتها بعد عدوان مدمر استمر لما يزيد عن خمسة عشر شهرا.

وأطلق اتحاد بلديات قطاع غزة، أمس الأربعاء، خطة عمل أطلق عليها “فينيق غزة” لإعادة إعمار القطاع بعد حرب الإبادة الإسرائيلية التي طاولت شتى المجالات الحياتية.
وقال رئيس بلدية مدينة غزة ورئيس اتحاد بلديات القطاع يحيى السراج في مؤتمر صحافي عقدته بلديات القطاع في مدينة غزة إن هذه الخطة تمثل إطار عمل سيجري السير عليه خلال الفترة المقبلة لإعادة إعمار غزة، مشيراً إلى أن هذه الخطة جرى إعدادها بواسطة خبراء داخل القطاع ونظرائهم في الضفة الغربية المحتلة وعدد من الخبراء خارج فلسطين.
وتكشّف حجم الدمار بشكل كبير مع بدء سريان الاتفاق وتمكن العديد من الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم ومناطقهم السكنية التي غيّر الدمار معالمها، خصوصا في المناطق التي شهدت أعنف الاشتباكات، فيما تكافح فرق العمل لتنظيف وفتح الشوارع والمفترقات في ظل التحديات الكبيرة الناجمة عن نقص الآليات والمعدات اللازمة.

وبخصوص حجم الخسائر التي تعرض لها قطاع غزة، تفيد الإحصائيات الدولية والمحلية بأن الكلفة الأولية لإعادة بناء المنازل والمرافق العامة، وشبكات المياه والكهرباء، وإصلاح الطرق تقدر بنحو 51 مليار دولار، كما توضح تقارير حديثة أن إزالة الركام والذي يقدر بما يزيد عن 50 مليون طن، قد تستغرق حوالي 21 عامًا، بكلفة هائلة.

شح التمويل ونقص المعدات الثقيلة

بدأت فرق العمل بجهود إزالة الركام المتناثر على الطرقات وفي محيط البيوت المدمرة وانتشال جثامين الشهداء من تحت الركام، بتنسيق كامل بين البلديات والدفاع المدني وفرق الإنقاذ، وباستخدام الآليات الثقيلة مثل الجرافات والرافعات، رغم تهالك هذه المعدات بسبب الاستخدام المكثف أو نقص الصيانة وعدم السماح بدخول آليات أكثر تطورا وفاعلية، كما يشارك في العملية بعض المتطوعين بجهود يدوية، خاصة في الأحياء التي يصعب على المعدات الثقيلة الوصول إليها.

وتم التركيز في الأيام الأولى للهدنة على إزالة الركام من الشوارع الرئيسية لتسهيل حركة المركبات وعودة النازحين ووصول المساعدات إلى المناطق التي تعاني من الشح الشديد في البضائع والمواد الغذائية، إلا أن التقديرات المحلية تشير إلى وصول نسبة الدمار لنحو 90% من مساحة قطاع غزة بفعل تدمير عشرات آلاف المباني والمنازل والمدارس والمؤسسات والشركات، ما أدى إلى تراكم ملايين الأطنان من الأنقاض.
ويبطئ شح التمويل والنقص الحاد في المعدات الثقيلة بقطاع غزة عمليات الإزالة ويجعلها أكثر تعقيدا، خاصة في ظل وجود قذائف غير منفجرة، واحتواء الأنقاض على مواد سامة وزجاج، الأمر الذي يستدعي وجود فرق مختصة وآليات ثقيلة ومعدات مخصصة لتأمين المناطق.

ولا يقتصر حجم الدمار على البيوت السكنية فقط، وإنما طاول البنية التحتية والشوارع، وشبكات المياه والصرف الصحي، وخطوط الكهرباء التي تضررت بشدة، وكذلك المرافق العامة مثل المدارس والمستشفيات المتضررة أو المدمرة، وهو ما يزيد من صعوبة تقديم الخدمات الأساسية للسكان، ومن تعقيد مهمة تنظيف وإزالة الركام، والتي تشير التقديرات الأولية إلى أنها قد تستغرق بين خمس وعشر سنوات إذا توفرت الموارد بانتظام، كما تتطلب المناطق الأكثر تضررا سنوات إضافية قبل أن تعود إلى حالتها الطبيعية، حسب مراقبين وتقرير مؤسسات دولية.

وأظهر تقرير للأمم المتحدة، نشر في العام الماضي، أن إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة قد يستمر حتى عام 2040 على الأقل، وقد يطول الأمر لعدة عقود من الزمن. ووفقاً لبيانات الأقمار الصناعية للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول، فإن ثلثي المباني في غزة قبل الحرب، أي أكثر من 170 ألف مبنى، هدمت أو سويت بالأرض. وهذا يعادل حوالي 69% من إجمالي مباني قطاع غزة.
وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن هذا الإحصاء يتضمن ما مجموعه 245 ألفاً و123 وحدة سكنية. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حالياً إلى مأوى في غزة.

وتيرة بطيئة للعمل في غزة

وعن تفاصيل النشاط الحكومي المبذول خلال فترة الهدنة، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن بداية وقف إطلاق النار في قطاع غزة تمثل مرحلة حاسمة في محاولة التخفيف من وطأة القتل والدمار والتهجير الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني خلال نحو 15 شهراً من الإبادة والقتل والدمار.
ويلفت الثوابتة في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة بدأت باتخاذ عدة إجراءات ميدانية تهدف إلى استعادة الأمن والنظام وفتح الشوارع وتهيئة الطرق لتسهيل حركة المواطنين والمساعدات الإنسانية، إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص المعدات والجرافات والآليات اللازمة للقيام بعمليات رفع الأنقاض بشكل فعال وسريع.

ويبين أن عملية رفع الأنقاض تسير بوتيرة بطيئة للغاية نظرا للدمار الشامل الذي لحق بالبنية التحتية، ولعدم توفر المعدات الثقيلة التي تسهل وتسرّع عملية الإزالة، موضحا أن فرق الإنقاذ والمتطوعين يعملون بجد لانتشال جثامين الشهداء الذين ما زالوا تحت الأنقاض، وقد تم انتشال عشرات جثامين الشهداء حتى اللحظة، وهي عبارة عن هياكل عظمية وجماجم وعظام متناثرة، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة.

استنفار المؤسسات الحكومية

من جهة أخرى، يوضح الثوابتة أن جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية بدأت بالعمل ضمن اختصاصاتها ولكن بشكل محدود ومبدئي، بفعل الدمار الهائل الذي لحق بمقومات الحياة والقطاعات الحكومية والحيوية والمدنية في غزة، حيث تعمل وزارة الصحة بشكل متواصل رغم نقص الموارد والمعدات الطبية لتقديم الرعاية للجرحى والمصابين، وتعمل على تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية التي لم تدخل حتى الآن إلى غزة، مبينا أن القطاع الصحي بحاجة إلى أطنان من الأدوية والعلاجات للجرحى والمصابين والمرضى الذين يزيد عددهم عن 120 ألف جريح ومريض.

فيما بدأت وزارة التربية والتعليم وفق خطط استدراكية بترتيب المناهج الدراسية في ما يعرف بـ”الرزم التعليمية”، ومحاولة إعادة فتح المدارس المتضررة أو توفير بدائل تعليمية للطلاب الذين حرموا من التعليم لفترة طويلة، والذين يتجاوز عددهم 750 ألف طالب وطالبة، كما تسعى وزارة الشؤون الاجتماعية لتوفير المساعدات اللازمة وتوزيعها على الفلسطينيين.
ويوضح الثوابتة أن الجهود المبذولة تصطدم بالحاجة الماسة إلى الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية الكبيرة جدا، حيث يحتاج قطاع غزة إلى دخول المعدات الثقيلة والآليات والجرافات لتسريع عملية رفع الأنقاض وإعادة الإعمار وانتشال جثامين أكثر من 14 ألف شهيد تحت الأنقاض، كما يتطلب الوضع توفير دعم مالي وتقني للقطاعات الحيوية المختلفة، بما في ذلك الصحة والتعليم والبنية التحتية والبلديات بشكل عاجل.

انتظار المساعدات الدولية

ويطالب مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه القطاع والعمل على تقديم المساعدات الفورية لدعم جهود الطواقم الحكومية في إعادة بناء ما دمره الاحتلال خلال الحرب الإجرامية، وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش في ظروف إنسانية صعبة وقاسية، مشددا على أن تحقيق الاستقرار والأمان يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن.
وتُظهِر بيانات فلسطينية رسمية أن الصراع أدى إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجداً وثلاث كنائس. وأظهر تقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن العديد من المستشفيات هدمت أثناء العدوان، حيث لم تعد تعمل سوى 17 وحدة فقط من أصل 36 وحدة، وبصورة جزئية في يناير/ كانون الثاني.
وسلط مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية الضوء على حجم الدمار على الحدود الشرقية لقطاع غزة. فحتى مايو/ أيار 2024، كان أكثر من 90% من المباني في هذه المنطقة، بما في ذلك أكثر من 3500 مبنى، إما مدمرة وإما تعرضت لأضرار شديدة.

تهيئة البنية التحتية في غزة

في هذا الإطار، يبين المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني الفلسطيني محمود بصل، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن نسبة الدمار في قطاع غزة مرتفعة للغاية، وتحديدا في مدينة رفح وفي المناطق الشمالية للقطاع، وهي من أكثر المناطق التي تعرضت لعمليات تدمير حولتها إلى كومة من الركام.

ويلفت بصل إلى أن مهام العمل خلال الفترة الحالية موزعة على الجهات والوزارات ذات الاختصاص، مبينا أن الدور الموكل لجهاز الدفاع المدني حاليا هو انتشال جثامين الشهداء من تحت أنقاض المباني، فيما تتجه البلديات إلى تهيئة البنية التحتية، كما تسند مهمة إزالة الركام من الطرقات إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان والبدء بقضية الإعمار، في الوقت الذي تعمل فيه شركة الكهرباء وشركات الاتصالات على إصلاح خطوطها.

ويشير بصل إلى الأزمة المشتركة عند مختلف الجهات وفي مقدمتها البلديات والدفاع المدني في قضية الإعمار وإزالة الركام والمتعلقة بالمعدات الثقيلة، ويقول: “طالما لم يتم توفير هذه المعدات لا يمكن بأي حال من الأحوال مواصلة العمل وفعل أي شيء، لأن نسبة الدمار كبيرة، وفي حال العمل بهذه الإمكانيات المتواضعة سنستغرق سنوات طويلة”.

ويشير بصل إلى تجهيز الدفاع المدني خطة للعمل على مدار 100 يوم لانتشال أكثر من عشرة آلاف مفقود تحت الأنقاض، تشمل وجود معدات ثقيلة، وفي حال عدم توفر هذه المعدات فإن العمل سيستغرق سنوات طويلة دون تحقيق إنجاز يذكر، داعيا الوفد المفاوض والوسطاء إلى العمل على إدخال كل المقدرات اللازمة للعمل من أجل مواجهة الكارثة، وخاصة في ظل الدمار الذي لحق بمختلف المجالات في القطاع.

وسجلت مختلف القطاعات الاقتصادية من الصناعة إلى الزراعة والصيد وحتى التجارة والبنية التحتية في غزة آثاراً كارثية، الأمر الذي ضاعف نسب الفقر والبطالة التي شارفت على الوصول إلى نسبة 100%، بعدما تضرر الإنتاج بنسبة تفوق 93%، ما أدى إلى تعقيد التفاصيل اليومية للفلسطينيين، حسب بيانات رسمية وتقارير أممية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *