تزايدت حواجز الاحتلال في الضفة الغربية. 6 يناير 2025 (ناصر اشتيه/Getty)

العربي الجديد

أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي العديد من الحواجز العسكرية المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية، مع زيادة ملحوظة في أعدادها، ما تسبب في معاناة إضافية للفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم أمام عقبات جديدة تعوق حركتهم، وتزيد من صعوبة حياتهم.
عشر ساعات كاملة احتاجها الفلسطيني عاهد عبد الرحيم (33 سنة) للوصول من مكان عمله في مدينة نابلس إلى بيته في قرية “أودلا” الواقعة إلى الجنوب من نابلس، رغم أن المسافة لا تتجاوز 20 كيلومتراً، إذ اضطر إلى عبور عدة حواجز عسكرية نصبها الاحتلال الإسرائيلي على مداخل ومخارج المدينة.
يقول عبد الرحيم لـ”العربي الجديد”: “تحركت من وسط نابلس عصر أمس الأول الاثنين، في الرابعة تقريباً، وتوجهت صوب حاجز (المربعة)، لأجد نفسي في طابور طويل. اعتقدت أن الأمر سيكون كالمعتاد، إذ يسمح جنود الاحتلال بمرور المركبات واحدة تلو الأخرى بعد تفتيشها والتدقيق في هويات ركابها، لكن هذه المرة كان الوضع مختلفاً، إذ لم أتقدم متراً واحداً على مدار أكثر من ساعتين”.
طوال ساعات، كان عبد الرحيم يتابع “مجموعات الطرق” التي تنشر الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي، عله يعثر على خبر حول حاجز يسمح بحركة السيارات، لكن من دون جدوى، ففضل البقاء في مكانه على الإقدام على مغامرة غير محسوبة، لكن الليل أسدل ستاره، ولم تعد الرؤية سهلة إلا من خلال إضاءة المركبات، فالحاجز يقع على طريق خارجي، ولا توجد إضاءة كافية.
بعد نحو ثماني ساعات، بدأت الأخبار تتوالى بأن الاحتلال سمح بالحركة عبر حاجز “عورتا”. يقول عبد الرحيم: “جغرافياً، لا يبعد الحاجز عن مكاني سوى كيلومترات قليلة، لكن لم يكن الوصول إليه سهلاً، إذ كان عليّ العودة من جديد إلى مدينة نابلس، ثم الخروج من الجهة الجنوبية الشرقية، وقد وصلت نحو الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وكان هناك طابور طويل، لكن جنود الاحتلال كانوا يسمحون للسيارات بالدخول والخروج بعد التدقيق فيها. وصلت إلى بيتي في الساعة الثانية فجراً”.
ويوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عزام أبو العدس، لـ”العربي الجديد”، أن “تلك الاعتداءات تعاظمت عقب اتفاق غزة، إذ أصدر وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير قراراً بمنع الفلسطينيين من الاحتفال بتحرير الأسرى، وجرى نصب عشرات الحواجز للحيلولة دون تحرك الفلسطينيين لاستقبالهم، أو الاحتفال بحريتهم، في حين يضغط وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش على حكومته للإسراع في تقطيع أوصال الضفة”. 
ويرى أبو العدس أن “مستقبلاً قاتماً ينتظر الضفة الغربية، فهناك خطط استيطانية معلنة وأخرى سرية لإجبار الفلسطينيين على الهجرة، وهذه الحواجز هدفها إذلالهم، ودفعهم للتفكير في ترك أرضهم، وهذا لا يقابله أي رؤية فلسطينية من طرف السلطة أو الفصائل السياسية، سوى بيانات شجب واستنكار لا تسمن ولا تغني من جوع”.
وأصدرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، الثلاثاء، بياناً قالت فيه إنها تنظر بخطورة بالغة إلى رفع العقوبات عن غلاة المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، وقرار الاحتلال بالإفراج عن المعتقلين منهم، محذرة من محاولات تفجير الأوضاع في الضفة بحثاً عن مبررات لنسخ جرائم الإبادة والتهجير التي ارتكبت في قطاع غزة، تمهيداً لخلق حالة من الفوضى العنيفة لتسهيل ضمها.

وتعدّ الحواجز العسكرية واحدة من أصعب الإجراءات التي تفرضها سلطات الاحتلال على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتسعى من خلالها إلى السيطرة على حركتهم وفقاً لدواع أمنية حسب التبريرات. وخلال اليومين التاليين لإعلان وقف إطلاق النار في غزة، نصبت قوات الاحتلال نحو ثلاثين حاجزاً عسكرياً جديداً في مواقع مختلفة من الضفة الغربية، إضافة إلى أكثر من عشرين بوابة حديدية تعمل “عن بعد”، ويتحكم بها الجنود من أبراجهم، أو من داخل معسكراتهم.
وطاول التضييق الكثير من طلبة الجامعات، خاصة مع دخول فترة الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الأول، ما أدى إلى تأخير يومي يحول دون حضور المحاضرات والامتحانات، فضلاً عن الإجهاد النفسي والجسدي الذي يصيبهم نتيجة انتظارهم ساعات طويلة على الحواجز، وتزامن ذلك مع الخوف من تعرضهم للاعتقال أو الاحتجاز، وكذلك ارتفاع كلفة المواصلات، بسبب اضطرارهم إلى سلوك طرق التفافية. وقد دفع ذلك إدارة الجامعات في شمالي الضفة الغربية إلى تأجيل الامتحانات أو عقدها “إلكترونياً”.
ينطبق الأمر ذاته، وبصورة أصعب على المرضى الذين يضطرون إلى التنقل بين المحافظات للوصول إلى المستشفيات، سواء للخضوع لعمليات جراحية أو مراجعة الأطباء. 
يقول المدير التنفيذي لمستشفى النجاح الجامعي، الطبيب إياد مقبول، لـ”العربي الجديد”: “يستقبل المستشفى يومياً نحو 600 مريض لغسيل الكلى على فترتين من محافظات شمال الضفة الغربية السبعة. التشديد العسكري الإسرائيلي على الحواجز لا يستثنى المرضى ولا سيارات الإسعاف، التي يتعمد الجنود تأخيرها وتفتيشها، ما اضطرنا إلى إجراء تعديلات على المواعيد. هذا أمر مربك، لكننا للأسف اعتدنا على إجراءات الاحتلال، ولدينا خطط بديلة. الخطير هو منع الأطباء من المرور عبر الحواجز، خاصة من يقومون بإجراء العمليات الجراحية المعقدة المبرمجة مسبقاً، رغم أنهم يحملون ما يشير إلى طبيعة مهنتهم، ما يتطلب تسهيل مهمتهم”.

ويؤدي وقوف المركبات الفلسطينية لساعات طويلة إلى جعلها هدفاً لهجمات المستوطنين، خاصة على الحواجز القريبة من الطرق الالتفافية أو المستوطنات والبؤر الاستيطانية. يقول مجدي قناديلو، وهو سائق شاحنة، لـ”العربي الجديد”، إن “عشرات المستوطنين يهاجمون مركباتنا بالحجارة، ويعمدون إلى تكسير الزجاج، وفي بعض الأحيان يطلقون علينا الرصاص على مرأى من جنود الاحتلال الذين لا يحركون ساكناً. تكرر هذا على حاجز (الحمرا) في مناطق الأغوار، وعلى حاجز (شافي شمرون) شمالي نابلس”.
وأمس الثلاثاء، أصيب نحو عشرة فلسطينيين بجراح مختلفة، بينما كانوا ينتظرون على حاجز نصبه الاحتلال بشكل مفاجئ قرب قرية “الفندق” بين مدينتي نابلس وقلقيلية، بعدما هاجمهم مستوطنون بالحجارة والعصي، ولم يسمح جنود الاحتلال لمسعفين فلسطينيين بتقديم العلاج اللازم لهم.
ويؤكد رئيس المجلس القروي، لؤي تيم، لـ”العربي الجديد”، أنه “منذ وقوع العملية الفدائية التي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين قبل نحو عشرين يوماً، تحولت القرية إلى ثكنة عسكرية، وإلى هدف مباشر لاعتداءات المستوطنين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *