المتابع بشكل دقيق لأداء الحكومة على مستوى الاقتصاد خلال الفترة الأخيرة يستوضح دون مواربة أن هناك خلل جم في آلية إدارة هذا الملف، بالشكل الذي أوجد حالة من التخبط مقرونة بعدم تحقيق أي تقدم على أرض الواقع، بل على العكس تتزايد وتيرة مستوى التراجع.
ويتفق حديثي هذا مع ما تواجهه أغلب مؤسسات التمويل الدولية وأخرها صندوق النقد الدولي الذي ساق تفاصيل الإتفاق الأخير مع الحكومة بشكل يترك له حرية مراقبة الوضع قبل تسليم اي دفعات معتبرة، ناهيك عن حالة الفصام التام بين ما يتغنى به مسؤولو هذا الملف والمواطن في الشارع وكذا المؤشرات الدالة.
وفي تقديري فإن السبب الرئيس في هذا الخلل يرجع إلى عدم وجود رؤية واضحة في إدارة الملف الاقتصادي تكون قائمة على هوية وتوجه محدد مسبقا تعتمد عليه أي خطط وسياسات، وهو ما أنتج حالة من معاملة الاقتصاد بكل تعقيداته كما وأنه مشروع إنشائي سوف يكتمل وينمو لا محال طالما وُفر إليه مواده الخام.
أضف إلى ذلك، غياب وجود أي مسؤولي حكومي بداية من رئيس الحكومة حتى اصغر وزير في المجموعة الاقتصادية، يتحدث بشكل دقيق عن الاقتصاد ويبسط المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد الكلي والجزئي وأهداف السياسيات للدرجة التي أوصلتنا إلى حالة من من الجدال المستمر في بديهيات وكذا اختراع مفاهيم اقتصادية جديدة!
أبسط دليل على ذلك هو ما يطرحه رئيس الوزراء تكرارا بشأن مواجهة تفحل معدلات التضخم من خلال إحكام الرقابة على الأسواق والضغط على التجار، في ردّة عن المفاهيم الاقتصادية المستقرة قد ادخلتنا في جو لم يخرج عن فترة الستينات من القرن الماضي، بأفكاره وآلياته التي عفا عليها الزمن والظروف
لم يعد هناك وجود لأشخاص معينين بالملف الاقتصادي بشكل حقيقي سواء على مستوى وضع الخطط أو متابعة التنفيذ أو الإدارة، حيث يتم الاكتفاء فقط بإستراتيجيات التدبير المنزلي ومعاملة اقتصاد الدولة كما تدار المشروعات.. مواجهة التضخم بالضغط على التجار وزيادة إنفاق وطباعة أموال والمضي في مشروعات توسعية دون أن يوازي ذلك موارد أو قدرات كافية.
وبكل أمانة وتجرد.. من بعد د. محمود محيي الدين و د. يوسف بطرس غالي، لم يتحدث أحد في الدولة عن الاقتصاد لا من قريب و لا من بعيد، وأصبحت السمة العامة أنه لا يجيد أي مسئول شرح معطيات ومفاهيم الاقتصاد، كما وأن الاقتصاد كأسلوب إدارة قد انتحر وُدفن بعدهما!
فالإدارة أصيحت مقتصرة على المالية العامة التي تتعمل من منطلق ال “كاشير”، أما وزارة التخطيط فرغم الخطط والعروض التقديمية وأرقامها الطموحة و خطة ٢٠٣٠ و خطة الإصلاحات الهيكلية و غيرها من الاوراق، إلا أنها لا تقترن بأي تنفيذ على أرض الواقع، كما أن فكرة التنسيق بين المجموعة الاقتصادية وتكامل رؤاها لم تعد موجودة وحلّ موضعها حالة من التضارب في بعض الأحيان. و على الرغم من وجود كفاءات اكاديمية مشهود لها بالتخصص و البراعة مثل د. رانيا المشاط و د. هالة السعيد إلا ان الملف الاقتصادي يدار كما و لم يكن له صاحب. و الادلة كثيرة من تخبط ملفات بعينها مثل التضخم، الاستثمار، الطروحات الحكومية و مؤخرا الطاقة.
فمذ أن ترك الدكتور محمود محيي الدين والدكتور يوسف بطرس غالي منصبيهما في الحكومة، لم يعد الاقتصاد كوسيلة لإدارة الشؤون العامة موجودا، ويتجلى ذلك بطرق عديدة أولها عدم وجود أي مسؤول يستطيع أن يشرح الأساسيات الاقتصادية للعوام، وحالة الصعوبة التي يجدها المانحون والمجتمع الدولي في فهم الاتجاه الاقتصادي للدولة، وأيضا عدم وجود مؤشرات أداء رئيسية «حقيقية» لقياس الأداء الاقتصادي، بما رتب في النهاية أنْ أصبحت الدورات الاقتصادية متكررة وعنيفة.
ختاما.. فما يحدث ليس له علاقة بالاقتصاد و ادارته ونتائجه وخيمة على استقرار الدولة ومعيشة المواطن، ولا بد من العمل على تدارك الخطأ في التغيير الحكومي المرتقب، من خلال اختيار مجموعة اقتصادية على قدر من التناغم يجمعهم رؤية واضحة.
فقد ان الاوان لكي تكون مؤشرات الأداء هي الحاكم في الاداء لا المشاريع. ان الاوان لكي يكون تعظيم الايراد التشغيلي منهج اقتصاديا و ليس تعظيم القدرة على الاستدانة. ان الاون لأن تمضي الأمور في إطارها السليم بعيدا عن حالة المسايرة التي نعايشها الآن….