بعد احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية عام ٤٨، انطلقت دعوات قوية من قبل الشعوب العربية للزحف إلى فلسطين وتحريرها. وكادت زمام الأمور وقتها أن تخرج من يد الأنظمة الحاكمة لتصبح في أيدي الشعب وهيئاته الوطنية.
وبما أن هذه الأنظمة هي أدوات بيد الاستعمار لوضع الوطن العربي في الظروف الملائمة لتنفيذ المخططات الاستعمارية التي كانت تهدف إلى إقامة الدولة اليهودية. وبسقوطها تسقط تلك المخططات، فقد لجأت بريطانيا إلى أساليبها الجانبية القذرة وسمحت بإشراك الجيوش العربية لدخول فلسطين. لكن لا بهدف إبطال قرار التقسيم وتدمير الدولة اليهودية الوليدة كما أعلنت أنظمة الخيانة، إنما كان الهدف الحقيقي هو القضاء على كل ما هو ضد تنفيذه. ومنها تحييد المقاومة الفلسطينية وسحب سلاحها وغيرها من الإجراءات التي كان لها دور في ضياع فلسطين بشكل نهائي.

وإلا فكيف لتلك الأنظمة التي كانت في ذلك الوقت مشغولة بالتناحرات والمنافسات وكل واحدة تخطط للانقضاض على الأخرى وضمها إلى رقعتها أن تفكر بتحرير فلسطين؟ والأهم أنها أنظمة تابعة للحكومة البريطانية التي قاتلت من أجل قيام الدولة اليهودية.
وكيف ل “جلوب باشا” قائد الجيش العربي أن يدخل بجيشه فلسطين للقضاء على اليهود وهو يعتبر بمثابة جندي في جيش الوكالة اليهودية والمتدفع لتنفيذ مطالبها وتحقيق أهدافها؟

وللأمانة التاريخية يجب أن نذكر أن أفراد الجيش العربي وبعض ضباطها دخلوا فلسطين بهدف تحريرها أو نيل الشهادة على أرضها المباركة. وعن خيانة القادة يقول أحد الضباط العراقيين الذين شاركوا في تلك الحرب “لم تدخل الجيوش العربية فلسطين للقتال، وإنما دخلت لتبارك مهرجان إقامة دولة إسرائيل”.

ومن المعروف بأن بعض الضباط الكبار الذين أدركوا المؤامرة خرجوا عن أوامر قياداتهم وقاتلوا اليهود ببسالة وألحقوا بهم الخسائر الفادحة.

والعبرة التي نريد أن نلفت النظر إليها مما تناولناه وبعيدا عما حصل من خيانات ،أن الجماهير في كل زمان ومكان عبر التاريخ تستطيع أن تحدث التغييرات الكبيرة إن امتلكت الإرادة لفعل ذلك. فالجماهير التي أرعبت بريطانيا في ٤٨ ودفعتها إلى الموافقة على دخول الجيوش وتحريكها نحو فلسطين تستطيع اليوم أيضا أن ترعب الولايات المتحدة وحلفائها وذيلها الصهيوني وهي قادرة على فعل ذلك. فما يرتكب في غزة من تجويع وحصار وتدمير وإبادة يفرض أن تتحرك الجماهير وتسخط وتزحف وتنفض عن نفسها الاستكانة والذل والخنوع التي فرضتها عليها الدول الظالمة التي ليس لها شبر في بلادنا.
وأين نحن من كل ما يحصل لأهلنا من قول رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ” ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته”.

وغزة انتُهِكت بها حرمة المسلمين وأعراضهم وسيخذلنا الله إن لم نسخط ونتحرك لنصرتهم. نعم نحن بإرادتنا وتيسير الله من نستطيع صنع النصر ودرء الظلم عن أهلنا، دون التعويل على جيوش الاستعراضات وقمع المظاهرات وحماية الأنظمة الذليلة المطبعة.
فالألم نضج واحترق ووجب اليوم أن ننتفض ونزحف إلى الحدود حتى لو كانت صدورنا عارية وأيدينا خالية من السلاح، فالإيمان سلاح وتلبية الواجب سلاح والصراخ بوجه الظلم سلاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *