منذ معاهدة “سايكس بيكو” ١٩١٦، كانت الدول الاستعمارية قد رسمت حدودا للبلاد العربية ونصّبت عليها أنظمة مما صنعت يداها، بهدف ضمان بقاء تلك الحدود وإطالة عمرها لأطول زمن ممكن، عن طريق لعبة قذرة لعبتها على الشعوب، وأنضجتها على نار هادئة جدا. إذ لا بد من شعوب خانعة ترزح تحت عصا الطاعة لأنظمتها التابعة، ولا ترفع رأسها بوجهها مهما وصل الظلم الواقع عليها.
فترتب على تحقيق ذلك العمل على تجهيل الأجيال عن طريق المناهج الدراسية، لكن على جرعات، وفي كل جرعة يتم انتزاع مسلّمة من مسلّماتنا كأمة مسلمة. وكان أولها طمس الثأر مع تلك الدول الاستعمارية من ضمنها دولة الاحتلال الصهيونيه، فكان أن سلخت ما يخص القضية الفلسطينية من تلك المناهج، من أناشيد، أذكر منها قصيدة فلسطين داري، ودروس مثل أسوار عكا وبرتقال يافا، كما أقدمت على حذف الآيات القرآنية التي تتعلق بفلسطين كدولة عربية مسلمة مغتصبة. وتم ذلك عبر عقود من الزمن إلى أن اجتثوا كل ما يتعلق بفلسطين من مناهج طلابنا. واستبدلوها بأناشيد ساذجة ودروس لا تصنع إلا جيلا مائعا لا قضية له ولا هوية سوى القضية الشائكة بين الأرنب والسلحفاة والسباق التاريخي بينهما.
انتزعوا عبد القادر الحسيني لأنه قال”المقاومة هي السبيل الوحيد للحرية والكرامة، نحن أحق بالسلاح المخزن من المزابل، إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين”.
وصلاح الدين الأيوبي الذي قال”لماذا نترك القدس؟ إنها أرضنا في كل وقت وفي كل زمان، من مدننا المقدسة وتقع في أرض إسلامية ولا بد أن تظل القدس لنا”.
وأعلوا من شأن الإنجليزية “جورج إليوت” ولم يخبروهم بأنها تنبأت في قصتها “دنيئل ديروندا” التي نشرت عام ١٨٧٦ بما يسمى “النهضة اليهودية” حيث يقول بطلها “لدينا ما يكفي من كنوز الحكمة لتأسيس مجتمع يهودي جديد أصلي بسيط وعادي على غرار المجتمع القديم ـ جمهورية تكون فيها مساواة في الجماعةـ المساواة التي أشرقت كنجم على جبين مجتمعنا القديم، وتألق بين ممتلكات الشرق الظالمة، أكثر من ضوء الحرية الغربية”.
ونتيجة لذلك أخذ بعض شبان هذا الجيل يشعر بالانتشاء والرقي وهو يتلفظ أسماء مثل “آرثر كوسنلر” و “جاك روسو” وغيرهم. لكن حين تسأله عن القائد عز الدين القسام وقصة جهاده، يدهشه السؤال ويستغرب الاسم، وقد يلجأ إلى محركات البحث عله يجد تعريفا عما سُئل، وقد يغير الإجابة ليخبرك عن قصص ديكنز وكروزو.
طمسوا ابن الوليد وابن الجراح وجميع المعارك الإسلامية لأنها تزعج أسيادهم، ورفعوا من شأن “نابليون” و “جورو”. تركوا القرآن وأدهشونا بنسبية “أينشتاين” اليهودي و “نيوتن” وسر التفاحة، وشوبنهاور وفلسفته الإلحادية. واستبدلوا فلسطين على الخرائط بالدخيلة “إسرائيل” .
فعلموهم المهادنة والسلام والاستسلام والركون إلى الأمان وأدمنوهم على الألعاب الإلكترونية والمواقع الإباحية وأنها مجتمعة تهدئ الأعصاب وتطيل العمر، فأنسوهم الثار والقضية.
ونحن كآباء خنعنا وانتشينا بثقافة أولادنا الغربية وسلمنا واستسلمنا للسموم التي قتلت فينا النخوة والمروءة.
عشقنا البقاء بين الحفر وتهيبنا صعود الجبال ، فكان للاستعمار الذي لم نستطع نفضه عنا ما أراد وما خطط له وتحقق ما دعا له المبشر “ليفي برسوس” عام ١٨٢١ حين قال “في قلب كل يهودي تتأجج رغبة لا يمكن إخمادها لاستيطان الارض التي أعطيت لأجدادهم، إذا دمرت الإمبراطورية العثمانية فإن معجزة فقط يمكنها أن تمنع عودة اليهود إلى أرضهم من كافة أقطار العالم”.
فدُمرت الخلافة، وقُسمت البلاد وجُهّلت الأجيال وأُعدمت سلسلة من الأجيال على مشنقة الاستعمار ..
فمن يوقظ الأمة ومن يؤجج فيهم نار الثورة ونار التغيير؟