من المؤكد بأن الخيمة القماشية أو البلاستيكية الممزقة، شهادة إنسانية ضد لا إنسانية رأس الشيطان وذيله الصهيوني والداعمين له من دول غربية وصهيوعربية.
هذه الخيمة شهادة إنسانية تُرفع لا إلى محاكم الأرض بل إلى محكمة العدل المطلق، إلى الله خالق الكون الذي لا يظلم أحد وحاشى عليه ذلك.
اليوم وقد حل الشتاء للعام الثاني على غزة لا تزال تلك الخيمة التي أنهكتها الفصول تحاول قدر استطاعتها حماية من يحتمي بها من أرواح متعبة. تقاوم الريح العاتية والمطر الغزير بكل ما أوتيت من قوة.
لكنها لا تستطيع منع البرودة من اجتياح الأجساد الرقيقة التي لم يسعفها الفقر والعوز لشراء كسوة بدل تلك التي بقيت هناك، خلفهم أسفل ركام البيت الدافئ. كما لا تستطيع أن تمنع ماء السماء من دخول سريع يعرف طريقه عبر ثقوبها وشقوقها، وعبر الأرض المجرفة القابلة لاستقبال الأمطار ودفعها إلى ارضياتها العارية إلا من فراش مهترئ إن وجد. فتزيدها وحلا على وحل وبرودة على برودة..
يقولون بأن الطعام المفيد يدفئ الجسد، لكن عندما يعزٌ وجوده، ما الذي يستطيع الجسد الذي اجتمعت عليه المصائب كلها لتنقض عليه دفعة واحدة وبلا رحمة أن يفعل؟
تلك البرودة التي توسع الجراح وتنكأ المغلق منها، تهمس في أذنيها، ها أنا قد عدت للمرة الثانية. تحاول الخيمة المسكينة إبعاد تلك الهمسات وأشباحها المتوحشة، توّحُش كل الأشياء، القصف، الجوع، الليل الطويل، لكنها تعجز. فالقصف أقوى والجوع أيضا أقوى، وزمن الليل عنيد، وتسريع قدوم الشمس كثيرا ما يفشل، فقد تُسجن خلف قضبان الغيوم لساعات طويلة، فتنقلب ساعات النهار إلى ليل طويل أشد وطأة على تلك الأجساد لأنها تستلزم وجود الطعام الذي أعلن غيابه عن الخيمة.وهنا تصرخ الخيمة بصمت إلا من صوت صفعات الريح لوجهها الحزين.
تتألم وهي تستمع إلى أنّات الأجساد المرتعدة تحت أغطية تحاول هي الأخرى منح الدفء لها، فتعجز أيضا..فيكتب أحدهم نصيحة طبية مفادها أن القشعريرة مفيدة من الناحية الصحية في الأجواء الباردة، لأنها تساعد على حرق الدهون الزائدة في الجسم. لكن كيف تنطبق هذه النصيحة مع أهل غزة، وعام وأكثر من التجويع كان كفيل بانتزاع الدهون من أجسادهم!
غير أن آيات وسور في القلوب، تجرى على ألسنة لا تهدأ، كفيلة بتدفئة الروح. وأجساد أرواحها تشتعل دفئا بكلام الله لا تهتم لمخلوق من مخلوقاته،، والبرد من مخلوقات الله التي تأتمر بأمره، كما النار التي كانت سلاما على إبراهيم عليه السلام.
وكيف للبرد أن يجتاح هؤلاء وملائكة الرحمن تحيطهم وتدعو لهم بأن يرفعهم الله ويخفض من آذاهم؟
وكما قال محمود درويش:
*أما غزة فستبقى كعادتها، ترفض الموت، تعشق الحياة ، تغسل آلامها الموجعة وهمومها الثقيلة المزمنة في بحرها الجميل…..*