كتب الباحث اليهودي “ميرون بنفنستي” في صحيفة “هآرتس” العبرية بعد حرب ٢٠٠٨-٢٠٠٩ عن الهدف الخفي وراء الحملات التي تقوم بها دولة الاحتلال بهدف تكريس الانقسام بين فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، أن “الفصل بين الضفة والقطاع أصبح الآن حقيقة تامة، ووجد تعبيرا عنه بعدم مبالاة سكان الضفة بمأساة غزة”. وكتب أيضا في نفس الصحيفة “لقد نجحت إسرائيل في تحطيم المجتمع الفلسطيني إلى أجزاء والفلسطينيون يساعدون في تكريس هذه الظاهرة وعليه فهم بحاجة إلى”غريبالدي” حتى يوحد صفوفهم”.
وغريبالدي هو سياسي إيطالي ولد عام ١٨٠٧ ونشأ في زمن كانت إيطاليا مقسمة إلى إمارات وممالك. فقرر غريبالدي أن يناضل ويحارب من أجلها حتى يوحدها. وقد حصل ما سعى إليه فتوحدت على يده عام ١٨٧٠.
فهل نحن اليوم أمام غريبالدي هذا العصر متمثلا بالقائد الشهيد يحيى السنوار؟
ولد يحيى السنوار عام ١٩٦٢ في مخيم خان يونس وعاش فيه وذاق مرارة الفقر ومرارة الاحتلال. اعتقل عدة مرات من قبل العدو الصهيوني بسبب انتمائه للمقاومة الفلسطينية، وحكم عليه بأربع مؤبدات. ثم خرج في ٢٠١١ بصفقة تبادل أسرى، ليعود الى صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس ومارس نشاطه كقائد لكتائب عز الدين القسام.
وقد سعى هذا القائد منذ خروجه من المعتقل توحيد الصفوف. فقام في البداية بتوحيد صفوف الحركة ودمج الجناح العسكري والسياسي في إطار انتخابي واحد. ثم حاول توحيد صفوف حركته مع حركة فتح ودعاها إلى لعودة إلى غزة وإدارة شؤونها المدنية، إلا أن حركة فتح رفضت. وهذا ما أرادته دولة الاحتلال ونجحت فيه.
وقد فعل السنوار ما فعله مع حركة فتح لأنه لا يرى له عدوا غير عدو واحد وهو الصهيوني الذي سرق الأرض وقتل الأهل وشردهم وهجرهم ومارس بكل طاقاته شرذمة الأمة وشطرها وإضعافها ولا زال على نهجه.
واليوم ينفرد هذا الصهيوني بأهلنا في غزة ويعيث بها فسادا فيذبح ويجوع ويحاصر ويدمر على مرأى من الأخوة المنشطرين المتشرذمين المتواطئين فيعيد فرعون بظلمه وتجبره.
وكان السنوار قد وعد بعملية تأتي بطوفان هادر يقتلع الأخضر واليابس، فقد جاءت عملية السابع من أكتوبر لتهز صورة دولة الاحتلال بأجهزتها الأمنية والاستخبارتية أمام العالم، وتكبدها الخسائر البشرية والعسكرية.
ليصبح هذا القائد بعد هذه العملية المطلوب الأول لدى دولة الاحتلال. وقالت فيه الأقاويل الكاذبة واتهمته بأنه يختبئ في الأنفاق ويعيش مع عائلته حياة مرفهة تاركا أهل غزة فوق الأرض للقنابل والصواريخ وخاصة بعد انتخابه رئيسا للمكتب السياسي للحركة بعد اغتيال سلفه الشهيد اسماعيل هنية. كل ذلك في محاولة لتأليب أهل غزة عليه وعلى المقاومة ذلك لأن هذه الدولة ترى أن سبب صمود المقاومة هو الحاضنة الشعبية لها. تلك المقاومة التي أذاقت جيش الاحتلال الأمرين في كافة مناطق القطاع.
غير أن هذا القائد كذّب تلك الشائعات حينما استشهد مشتبكا مع جيش الاحتلال.
ففي أحد منازل منطقة تل السلطان في منطقة رفح قاتل طائرة “كواد كابتر” كانت قوات الاحتلال قد أطلقتها داخل المنزل دون أن تعلم بأن من تقاتله من خلال الطائرة هو القائد الذي أرعبهم مجرد ذكر اسمه لعقود طويلة. القائد الذي كان محققوا العدو يخافون نظرته الحادة.
القائد الذي أكمل اشتباكه بعد ربط ذراعه اليمنى المصابة بسلك معدني ليوقف نزفها واستخدم الأخرى ليصوب بها عصاه التي أركعت الاحتلال وقوضت أركانه خلتل عام، في رسالة منه ليس للشعب الفلسطيني فقط وإنما للأمة الإسلامية جمعاء للتوحد ضد هذا العدو الذي لا يريد بها خيرا. أراد أن يوحدنا خلف السلاح وأن فلسطين لن تتحرر إلا به وأن نعبر بحر الظلم ونغرق فرعون الاحتلال.
فما فعله هذا القائد حيا واصل فعله وهو ميتا فطاب حيا ميتا ونسأل الله أن تستوعب الأمة طهارة الرسالة وتوحد الصفوف وتنبذ ما أراده لنا عدونا من التفرقة والأحقاد.
فهل سينجح غريبالدي الطوفان، أم أن العصا ستظل معلقة في رسالة إلى جيل لم يأت بعد؟