مخطئ من يظن أن ما يحدث اليوم في غزة من عمليات حربية تدميرية محمومة جرائمية تشنها دولة الاحتلال هي فقط عمليات انتقامية بسبب ما حصل في السابع من أكتوبر/٢٠٢٣ بحسب ما يروج له إعلامها. فالحقيقة التي رافقت مثل هذه العمليات منذ ٤٨ إنما هي عمليات مخططة وجاهزة دائما للتنفيذ. بل إنها من ضمن أدبياتهم الأيديولوجية السياسية والاستراتيجية اليهودية. ففلسطين بالنسبة لهم من البحر إلى النهر، واستيطانها بالكامل، من حقهم، والصراع عندهم واضح وهو صراع وجود “إما نحن أو هم” على حد زعمهم.
وقد أعلنها “آرئيل شارون” سابقا وهي “أن إسرائيل توجد في حالة حرب مع الفلسطينيين وأن الجيش ينطلق فيها لينتصر”.

كما أعلن “شارون” نهجه والطريق العنصري من إرهاب دموي وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني منذ “عملية السور الواقي” عام ٢٠٠٢، بهدف القضاء نهائيا على الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وكانت العملية تدميرية ضد المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية. وقد اعتبرت دولة الاحتلال العملية، أنها حرب استمرارية لحرب ٤٨، وأنها مرحلة “كسر عظم للفلسطينيين” ولم تكن انتقامية فحسب.

وقد كتب “مئير شتيفليتس”/كاتب يهودي في مقالة نشرتها له صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ ٨/أغسطس/٢٠٠٠ “مع شارون مثلما مع شارون، ليس مهما أبدا ما يقوله، المهم هو ما يفعله، ومن أجل أن نفهم نهجه يجب أن نصم الآذان وأن نفتح العيون على اتساعها، والعيون حقا ترى: نهج شارون هو نهج الحرب من أجل أرض إسرائيل الكاملة، شارون يعمل على تصفية الهوية الوطنية الفلسطينية وإعادة رسم حدود وطابع الدولة”.

وما يقوم به اليوم “بنيامين نتنياهو” في حربه على غزة ما هو إلا امتداد لنفس الفكر الأيديولوجي لما قام به “شارون”، إلغاء الآخر الفلسطيني وتكريس المشروع الصهيوني”أرض إسرائيل الكاملة”.

هكذا بدأوا وهكذا وصلوا عبر عقود وسيواصلون، فهذه عقيدتهم التي لن يتخلوا عنها أبدا. فحتى لو فشل اليوم “نتنياهو” في تحقيق أهداف الحرب فإنه لن يتوقف. لأن هدفه الحقيقي لا يكمن فقط في القضاء على حركة حماس كما يدعي، إنما هدفه بات واضحا بعد أكثر من عام وهو تدمير البنية التحتية الفلسطينية برمتها، لتحطيم أي حلم لقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين وإفراغ أهلها. وهذا ما يفعله اليوم جيشه من قتل جماعي وإبعاد عن الأرض، ويتضح هذا في شمال القطاع. فما يرتكبه الجيش الإرهابي من مجازر في مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا وبيت حانون، لهو دليل على ذلك.
فما فشل “شارون” في تحقيقه، يسعى “نتنياهو” وبنفس الطرق “الشارونية” إلى تحقيقه بالنار والحديد.

فسياسة القتل التي اتبعها “شارون” وقتذاك بجنون كبير لإخضاع الشعب الفلسطيني يتبعها اليوم “نتنياهو” لكن بجنون أكثر لتحقيق “أرض إسرائيل الكبرى”. لذلك فهو يخوض كما “شارون” حربا “مسيحانية” حتى الموت لتحقيق تلك اليهودية الكاملة لفلسطين، تحت غطاء أميركي غربي صهيوعربي، استهدف التدمير الكامل للبنى التحتية واستخدام سياسية التجويع والتعطيش والاقتلاع والنسف والقتل والحرق الجماعي الممنهج. في محاولة منه لمحو الشعب الفلسطيني.

غير أن شعبا حفر له جذورا عميقة في الأرض عبر قرون، يصعب اقتلاعه. فالجذر اكتسب صفة التاريخية كما الأرض التي احتضنته تماما. أما الجذر الصناعي الهش فهو الذي يسهل اقتلاعه بأصابع أصغر قدم رضيع في فلسطين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *