يقول “إسحاق ابشتاين” -وكان شاهد عيان في إحدى حالات الطرد للسكان الفلسطينيين عام ٤٨- في مقالة نشرها في مجلة “هاشيلواح” التي أسسها “آحاد هاعام”:
“ما زال في مسامعي عويل المرأة العربية من قرية الجاعونة، اسمها الآن “روش بينا” مستوطنة في الجليل الأعلى تأسست عام ١٨٨٢. يوم غادرت العائلات القرية للإقامة في الجولان على الجانب الشرقي للأردن، كان الرجال يركبون حميرهم تتبعهم نساء باكيات، وكان الوادي مليئا بالنحيب، كانوا يتوقفون بين الفينة والأخرى يقبلون الأرض والصخور”.
ويستطرد قائلاً ” هل سيصمت المطرودون ويقبلون بما أصابهم؟ سينهضون في النهاية كي يستعيدوا بالقوة ما سلب منهم بالذهب. سيأخذون إلى المحاكم الأجانب الذين أزاحوهم عن أرضهم، وعندئذ قد يصبح المطرودون المدعي والقاضى….هذا الشعب لا يحتاج إلى إحياء لأنه لم يمت أبدا ولم يكف عن الحياة دقيقة واحدة…حذار من إيقاظ الأسد النائم”.
بعد مجازر ١٩٤٨ وعمليات الطرد والتهجير التي فرضت على الشعب الفلسطيني، ظن اليهود بأنهم ماتوا وسيذوبون بعد سنوات في دول اللجوء. إلا أن ما ظنوه كان خاطئا بل وخائبا، فالفلسطينيون لم ينسوا أرضهم ولا لحظة واحدة ولم بذوبوا بل لقد عادوا باكرا فأفسدوا كل لحظة لوجود يهود الشتات.
عادوا فسحقوا مقولة “مائير كاهانا” الذي قال بأن ” الفلسطينيين غرباء في أرضهم”, ولم يعلم بأن الارض لا تنكر أصحابها، أما الغريب فهو “كاهانا” ويهوده الذين أدركوا بأنهم هم الغرباء مع أول هبة لأطفال فلسطين التي أعادت الصهيونية إلى نقطة الصفر، عندما تفوق الحجر بيد الصغير على الدبابة بيد الجندي، والسكين على النووي. فتحول الفلسطيني من حلم مزعج لهم إلى خطر يهدد وجودها، وتحول الواحد إلى مجموعة والمجموعة إلى حركة فتوالت الهبات وصارت معارك ترهب دولة تعتبر نفسها عظمى في الشرق الأوسط، تتبجح بجيش لا يقهر.
واستيقظ الأسد الذي حذر منه “ابشتاين”. استيقظ وحطم شعار الصهيونية الأسطوري “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. فاتهمته الأخيرة بالمخرب والإرهابي واللاسامي وتناست ما فعلته بأهله من قتل وطرد وسرقة. وصدّق العالم ذلك لعقود، فوسم صاحب الأرض والحق بتلك الوسوم وتغافل عن كونه حركة كباقي الحركات التحررية التي تحارب من اعتدى واستولى على ما ليس له لاستعادة الحقوق.
وبرغم ذلك برغم محاربة العالم لها وأقصد المقاومة، إلا أنها قلبت موازين قادة الصهيونية الذين ظنوا أن أصحاب الأرض نسوا أرضهم وأنهم سيعجزون عن استعادتها، وأسقطوا مقولة “غولدا مائير” التي أطلقتها عام ١٩٧٠ خلال اجتماع لها مع مجموعة من الكتاب اليهود تعقيبا على مقولة ليهودي بولندي زار فلسطين في العشرينات ولخص انطباعاته عنها قائلاً “العروس جميلة ولكن لديها عريس”.
فأجابت “غولدا” وقتها “وأنا أشكر الله كل ليلة لأن العريس كان ضعيفا، وكان من الممكن أخذ العروس منه”.
لكن العريس لم ينسى عروسه يا غولدا وقد عاد ماردا قويا وأصبح من الصعب على دولة غاصبة أن توقف الحرب التي أعلنها يوم ٧/أكتوبر/٢٠٢٣.
اليوم المارد هو المقاومة بفصائلها التي أوجعت ولا زالت هذا المعتدي. هذا المارد الذي كان طفلا بالأمس اليوم أفقد دولة الاحتلال ردعها ودمر منظوماتها الأمنية، تسبب في تفكيك مفاصلها وأدخل الرعب في قلوب سكانها وتسبب لها بأزمات لا تعد ولا تحصى، هي ومن يقف خلفها.
اليوم يا “غولدا ويا كاهانا” المارد الذي وصم لعقود بالمخرب والإرهابي أصبح مقاوما لا يخشى الموت فباركت شعوب العالم مقاومته وتظاهرت من أجله.
اليوم المقاوم جعل العالم يرفع صوته مرددا شعارات لم نسمعها من قبل مثل الحرية لفلسطين وشعبها العظيم والسقوط لدولة الاحتلال.
اليوم خرج المارد المقاوم ليصرخ في وجه المستعمر المستوطن الخبيث:
( أنا لست فائضا عن الحاجة أنا صاحب الأرض وأنتَ الزائدة اللاشرعية ،أنتَ الورم السرطاني وقد خرجت لاجتثاث جذورك المصطنعة”.