لقد حاول الصليبيون نقل مجتمع أوروبي إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. إلا أنهم فشلوا بعد دحرهم من قبل المسلمين.
غير أن دولة الاحتلال وبدعم أوروبي وأمريكي نجحوا في نقل المجتمع الأوروبي إلى تلك الشواطئ. ولذلك نجد أهدافهم السياسية والاجتماعية هي أهداف دولة أوروبية.
فكيف استطاع هذا الجسم الغريب الفعال أن يزرع نفسه في جسم لا يرغب فيه ولم يكن قادرا على قبوله لولا تلك الحركة الخبيثة المعروفة بالصهيونية.
هذه الحركة المتناقضة التي استخدمت ما تسمى بالديانة اليهودية كقوة حافزة لها، مع أن غالبية زعمائها لم يؤمنوا ولم يمارسوا المعتقد اليهودي وما زالوا لا أدريين”الشخص الذي ليس لديه رأي محدد يخص قضية وجود إله من عدمه” إن لم يكونوا ملحدين.
ومن هؤلاء “تيودور هيرتزل” و “حاييم وايزمان” و “دافيد بن غوريون”. بالرغم من نشأتهم الدينية إلا أنهم تخلوا عنها عن معرفة لا عن جهل. لكن تلك التربية تركت أثرا عليهم بحيث صبغت تفكيرهم الصهيوني حتى عندما لم يكن دافع نشاطهم الصهيوني دينيا.
ومن هنا فإن من أكثر التناقضات الظاهرية في الحركة الصهيونية أن هؤلاء الزعماء وغيرهم مما كان لهم الدور البارز في إقامة دولة الاحتلال ،أنهم لم يكونوا في معتقدهم الديني ،غير أنهم سخّروا ذلك الدين لمهمة بناء الدولة. فكان الدين هو القوة الموحدة الجاذبة لليهود والطريقة الأنجع لتعزيز ما يعرف ب “الصهيونية الروحية” لدفعهم إلى الهجرة نحو وطنهم المزعوم فلسطين.
وبعد أن قامت هذه الدولة بالطرق التي لا تخفى على أحد ،أرادت صيغة تسمح لها بالحفاظ على مظهرها الأوروبي العام والحفاظ على روابط وثيقة بالدول الغربية وبنفس الوقت كسب قبول القارة الآسيوية لهم.
هذه الدولة التي عاثت فسادا في الجسم الذي لم يرحب بها من قبل قيامها وإلى يومنا هذا ،دولة المتناقضات التي ارتكبت مئات المجازر والتهجير القسري لأهل هذا الجسم المريض هي نفسها التي تذبح أهلنا في غزة بعد ٧/أكتوبر ٢٠٢٣ بدعم من الدول العظمى وتآمر المتواطئين.
وهي أيضا نفسها التي تحاصرهم وتمنع عنهم سبل العيش وتضيقها عن طريق الإرهاب والتجويع وملاحقتهم من الشمال إلى الجنوب والعكس.
وأيضا هي نفسها التي تذوق الويلات على يد المقاومة الفلسطينية ،تخرج لهم منذ بداية الحرب من كل مكان كالأشباح ،تلحق بهم الخسائر وتتجه بهم بصبرها وثباتها نحو الهاوية والهزيمة.
فالنبتة المزروعة هايدروبونيا وهي التي تسبح جذورها في محلول كيمائي ولا تغرزها في أرض أو تربه، نبتة سهلة الخلع.
ودولة الاحتلال زرعت بنفس الطريقة ،دولة معلقة في الهواء فهي لا تنتمي عرقيا إلى منطقتنا لكنها موجودة جغرافيا ،لكن بجذور هشة غير مرتبطة فعليا في أرض فلسطين.
وقد قالها “دافيد بن غوريون” أن “دولة إسرائيل جزء من الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية فقط. وهذا عنصر جامد بصورة رئيسية. فإسرائيل من نواحي الدينامية والخلق والتصورات الأساسية الفاصلة جزء من يهود العالم”.
فهذه الدولة حتى لو طاولت غيوم السماء ستبقى بلا جذور تربطها بالأرض وتثبتها. وبالتالي فإن أية هبة ريح قادرة على اقتلاعها.
المقاومة اليوم هي ريح البلاد التي ستقتلعها وتلقي بها إلى الشتات ،إلى أصولها الحقيقية التي جاءت منها ذات يوم أسود وتقتلع معها المطبعين والمتواطئين.