عبدالرحمن الشرقاوي
حين يخيل إلينا أننا أصبحنا واضحين، وأن كل ما أمامنا مستقيم ومبين ومفهوم، إذ بنا ندرك بغتة أن في الأعماق منا أشياء غامضة عديدة: حكايا لم ينفذ إليها شعاع، ولم تضئ بعد.. شوارع خلفية في نفوسنا هي عالم بأسره غريب عنا
في مقدمة روايته “الشوارع الخلفية” كتب “عبدالرحمن الشرقاوي” ممهدًا لحكايته المليئة بخفايا النفس و كِفاح المصريين ضد المحتل
إذا تم ذكر اسم الكاتب المصري الكبير عبدالرحمن الشرقاوي في الغالب سيكون أول ما يخطر علي الذهن قصته الخالدة التي تحولت لواحد من أفضل الأفلام المصرية في التاريخ ” الأرض” للمخرج العالمي يوسف شاهين
و مع كل حبي للرواية و الفيلم لطالما كان لدي حقد لماذا لم تنال رواية أخرى عظيمة له تحولت أيضا لفيلم بل و تكرر تقديمها في عملين للتلفزيون و هي “الشوارع الخلفية” نفس الشهرة و التأثير
تم تقديمها للتلفزيون في المرة الأولي في نهاية السبعينيات في مسلسل من إخراج إبراهيم الصحن، و سيناريو و حوار عبد المجيد أبو زيد ، و قام بالبطولة حمدي غيث،وصلاح السعدني
و في المرة الثانية في مسلسل تمت إذاعته رمضان 2011، أخرجه جمال عبدالحميد و كتب السيناريو و الحوار مدحت العدل. و عن هذه النسخة فقد أحببتها رغم التغييرات التي طرأت علي السيناريو ليلائم التلفزيون، و رأيت بها أداء رائع لكثير من الممثلين الشباب الذين أصبحوا نجوم بعدها كأحمد مالك و أحمد داود
و أما عن الفيلم أخرجه كمال عطيه سنة 1974، شارك في البطولة محمود المليجي، نور الشريف،ماجدة الخطيب،سناء جميل
يبدأ الفيلم مع “شكري عبدالعال” الذي قام بدوره الفنان محمود المليجي، ضابط البوليس المصري الذي فُصل من عمله لأنه قام بضرب رئيسه في العمل الضابط الإنجليزي و توقفت به الحياة عند رتبة اليوزباشي في حين أصبح زملاءه لواءات، تعود الحياة لتدب في بيت شكري عبد العال مرة أخرى بشكل مختلف حينما يُطلب منه الرجوع للخدمة،و يسحبنا الفيلم لحكايات “شارع عزيز” و ساكنيه
الثلاثينات و هي فترة شائكة مليئة بالأحداث في تاريخ مصر تجسدت في هذا العمل بشكل حقيقي في قصة ملحمية جريئة تدور في حيذ منطقة ترمز لمصر آنذاك
تتداخل مصائر الشخصيات بشكل متناغم شجي في الفيلم ويطل علينا في الشاشة نجوم عُرف عنهم براعة التجسيد و تكون النتيجة فيلم جيد لا أفهم إلي الأن سبب عدم شهرته
و رغم أن للرواية التأثير الأكبر فإن الفيلم حاول أن يجاري الطريقة الملحمية التي كُتبت بها و تعتمد علي أعداد شخصيات كثيرة و أنماط متنوعة و أحداث متلاحقة
صور المخرج علي طول الفيلم خيال الشخصيات في مشاهد تتسم بالجرأة في طرحها أحيان كثيرة
لم يفقد الفيلم تصاعد رتمه في رأيي بسبب الصراع الداخلي للشخصيات الذي حرص المخرج علي بلورته
ليصل بنا التصور أن لكل شخصية نظرتين مختلفتين في الحياة يشكلان الصراع القائم عليه الحدوتة
هو ذاته الصراع ينتقل من نفوس الشخوص للأحداث الكبرى التي تمر بها البلاد. فنرى صراع طلابي داخل التنظيم الواحد و يكبر و يتسع ليصبح صراع الشعب ،السلطة و المحتل . جاءت الموسيقي التصويرية للفيلم مُعبرة للموسيقار المصري “عبدالحليم نويرة”
” نور الشريف في أحد مشاهد الفيلم في دور”سعد
“شكري عبدالعال” بعد سماعه رسالة شهيد مظاهرات الطلبة “عبدالحكم الجراحي” لرئيس وزراء إنجلترا
و رغم إنتهاء الفيلم بموت “سعد داود” أحد أبطاله في مظاهرات الطلبة سنة 1935 مطالبًا بحرية وطنه إلا أنها نهاية تستجدي الأمل في التحرر لنعاود التأكيد مرة أخرى علي فكرة الصراع بين مُتناقضين التي تتبناها الرواية و بالتالي الأعمال التي نبتت منها
بقلم : سارة محروس