كتب: أحمد رضا نيفة

كان انسحاب فريق اتحاد العاصمة الجزائري من نهائي كأس افريقيا لكرة القدم الشهر الماضي امام فريق نهضة بركان  المغربي حدثاً غريباً استرعى انتباه الكثيرين، لقد فقد فرصته في المنافسة على البطولة بسبب هذا التصرف وهو بطلها العام الماضي! أما عن سبب الانسحاب فهو اعتراض الفريق الجزائري على وضع الخريطة المغربية على قميص لاعبي النادي المغربي وهي خريطة تشمل الصحراء الغربية. .وكان ذلك سبب الامتعاض الجزائري ورفضه للعب
ويعتقد انه كانت هناك توجيهات للفريق الجزائري من جهات عليا باتخاذ هذا الموقف، أو على الأقل تنسيق مع هذه الجهات، لأن هذا هو الموقف الرسمي للدولة الجزائرية والموقف العام منذ سنوات طويلة تجاه قضية الصحراء الغربية.. سنوات احتوت على خصومة بين الجارين الشقيقين.. المغرب والجزائر

فما أسباب هذه الخصومة؟ وهل قضية الصحراء الغربية فقط هي السبب؟ ام مسألة العلاقات الخشنة بين البلدين له أسباب و تشعبات اخرى؟
‏برغم التقارب و التداخل الكبير بين المغرب والجزائر، فكلا البلدين له ثقافة مشتركة وشعب تقريبا واحد، بالاضافة  للتشابك الجغرافي و التاريخي و حتى الارث الاستعماري ، وإن كان الاستعمار أكثر وطأة في الجزائر..إلا أن العلاقات ليست دائما على ما يرام و محل صعود و هبوط.

ساندت المغرب الثورة الجزائرية إبان اندلاعها ودعمت زعمائها، و عندما خطفت فرنسا طائرة زعماء الثورة الجزائرية عام ١٩٥٦ كانوا في ضيافة الملك محمد الخامس متجهين بطائرتهم المغربية الى تونس لحضور مؤتمر مغاربي قبيل استقلال الجزائر بدا ظاهراً الاختلاف المنهجي بين الجارين، بين الدولة الجديدة المزمعة في الجزائر وبين الدوله التقليدية في المغرب. فالجزائرالجديدة ظهرت كجمهورية ثائرة هادرة يقودها   مجموعة من الثوار الشباب حملوا السلاح على كتفهم وعاشوا في كهوف الجبال ، لهم افكار ثورية تقدمية “بمصطلحات فترة الستينات” و يملأهم الفكر الاشتراكي التحرري و تداعب عقولهم التجربة الناصرية هدفها كنس كل ما هو رجعي وتقليدي، و سرعان ما انجرفت دولتهم الوليدة نحو اليسار الحالم و المتدفق في ذروته إبان حقبة الستينات

اما المغرب فنظامها ملكي وراثي لعائلة ملكية نمطية عريقة تنتسب لسلالة تمتد منذ قرون عديدة تنتهج الفكر اليميني الرأسمالي والديني، فالملك هو أمير المؤمنين وهو الذي وهو الذي يظهر سنويا في موكبه يركب الحصان الأبيض ويرفع فوقه المناصرون المظلة الشمسية لتحميه آشعتها، ويقبل يديه كل رجال الدولة. ظهر جليا الاختلاف الرهيب وبوادر اللاإتفاق.
 
بعيد الاستقلال بدأت أول مشكلة بينهما على الحدود، لأن البلدين لم يكن معروف حدودهما بدقة ، فكلاهما كانا تحت الاحتلال الفرنسي الذي ميع جغرافية الإقليم. تصاعد خلاف الحدود، وفي 1963  حدث ما يعرف بحرب الرمال على مناطق في غرب تلمسان وطبعا مصر الناصرية ساندت الجزائر عسكريا ويقال ان حسني مبارك شارك فيها كان وقتها قائدا لسرب جوي تم ارساله للحرب مع الجزائر ضد المغرب وان كانت هذه المعلومات غير مؤكدة.
استمرت الصدامات الدبلوماسية والسياسية بين المغرب والجزائر بعد خمود حرب الرمال في كل المحافل العربية والدولية فكانت المغرب دائما مع تقف مع دول المعسكر الغربي وتقف عربياً مع دول النادي الملكي مثل السعودية ودول الخليج، بينما تقف الجزائر مع دول المعسكر الشرقي والاتحاد السوفيتي  وتقف عربياً مع الجمهوريات العربية المستجدة مثل سوريا والعراق ومصر. حدث هذا في مواقف  كثيرة مثل حرب اليمن وإنقلاب القذافي… كانت المواجهات دائما متواصلة ، واستمرت روح المواجهة والنقار والمكايدة .. زادت وتأججت احياناً و هدأت أحياناً.

تعتبر مشكلة الصحراء الغربية هي المشكلة الأبرز بين المغرب والجزائر والسبب الرئيسي للجفاء ..
 
تعود أصل مشكله الصحراء الغربية لمنتصف السبعينات حين رحل الاحتلال الإسباني عنها،  وهي التي لم تكن مطمعا لأحد فهي عبارة عن مستطيل من الصحراء المقفرة شاسع المساحة، قيظ الحرارة مطل على ساحل المحيط الاطلسي بين المغرب و موريتانيا، لكن لا توجد بها مدن او حواضر مجرد واحات صغيرة متناثرة، يسكنها أهل بادية عددهم قليل جداً، لا أنهار أو زراعة ولا بترول أو ثروات تذكر، ربما تفاؤل مستقبلي لامكانات تعدينية.


 
تاريخياً لم يذكر أن الصحراء الغربية كانت جزءا من المغرب بتاريخه الطويل  وممالكه المعروفة و ثقافته العريقة، لكن الصحراء لم تكن أبداً كياناً منفصلاً أو بلداً مستقل.. و أكبر دليل على ذلك أنه ليس لها اسم مميز! مجرد الصحراء الغربية و هو وصف جغرافي لصحراء! و هذا الوصف موجود في كل بلاد و أقاليم العالم التي بها صحاري .. غربية أو شرقية. وكيف تكون دولة وليس لها اسم ! تاريخياً أيضا لم تكن هذه المنطقة من العالم تابعة لأي دولة، باستثناء الحكم الإسباني الذي بمجرد خروجه سارعت المغرب للاستحواذ عليها كامتداد جغرافي لها و الأقرب للسيطرة عليها.

تشكلت حركة من الصحراويين عام ١٩٧٣ في الاساس ضد الحكم الاسباني، أطلقت على نفسها اسم  ‏ البوليساريو ، وبعد السيطرة المغربية عام ١٩٧٥ استمرت هذه الحركة والتي نادت بإستقلال الصحراء كدولة مستقلة، رفضها المغرب ودخل في صدام معها فاستنجدت بغريمه الجزائر التي دخلت على الخط ودعمت البوليساريو بكل قوة، فاشتعل الصراع بينها وبين الجيش المغربي. استمرت الحروب لمدة طويلة واعترف الجزائر بالبوليساريو حكومة لدولة الصحراء المستقلة واستضافتها على أرضها واستمر الدعم اللوجستي والعسكري الجزائرالتي ترى أنها حركه تحرر وطني و وشعب ذو المظلومية ..  لكن هناك من يرى أن المسألة بدأت من بند المكايدة والنكاية بين البلدين ، و زادت الى التناطح الكامل.

الحدود الجزائرية المغربية البرية مغلقة منذ 30 عاما، لا عبور لمسافرين ! والعلاقات الدبلوماسية تُقوض احيانا وتُستانف احيانا اخرى ، يُسحب السفراء تارة ويعودون تارة. كم من المشروعات الثنائية … والعربية  فشلت بسبب هذا التناطح والنقار! وعلى رأسها الإتحاد المغاربي العربي
مع ظهور الإعلام الشعبي من خلال التواصل الاجتماعي ، تشتعل المواقع كل فترة عندما يكون هناك حدث بين البلدين كمنافسة رياضية او شأن اخر للتنمر والمكايدة على الطرف الآخر، حتى طبق الكسكس لم يسلم من المزايدة ، من الذي أحق بنسبه إليه ! لقد وصلت المسألة للمنظمات الدولية لطلب كل بلد بإدراجه باسمها في اليونسكو!
حاولت أن أكون في هذا المقال حيادياً حتى لا أُتهم بأني أتحيز لطرف على الاخر، ولكني أتساءل أما آن
الأوان أن تسمو عقولنا عن هذه الصغائر من النكاية والنعرات ؟ انني أرى في اوروبا رغم التفاوت الكبير بين البلدان والشعوب ، رغم تاريخ الحروب العالمية الدموي ، إلا أنه لا توجد نعرات بينية او 
.
تنمرات ! والكل يتعاون ويسمو لتعظم المصلحة ، هذا طبعا يعود الى الانفتاح الفكري والارتقاء الثقافي 
أما آن الأوان أن نسمو كعرب ؟ أما آن الأوان ان نقول وداعاً.. لجفاء الأخوة ..؟

 

أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ

By أحمد رضا

https://youtube.com/@user-pj7ly4ti4p?si=Gsd96x0vQWAtWA30 مهندس و مفكر سياسي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *