العربي الجديد
يعاني فلسطينيو قطاع غزة ظروفاً إنسانية قاسية فاقمتها الأمطار الغزيرة وتجمع مياه الصرف الصحي في الشوارع وبين المنازل المدمرة وخيام الإيواء، نتيجة الدمار الذي لحق بمنظومة الصرف الصحي جراء حرب الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل خلال أكثر من 15 شهراً.
هذه التجمعات تنبعث منها روائح كريهة تشكل خطراً على المواطنين الفلسطينيين، خصوصاً الأطفال، إذ يصل ارتفاع بعضها إلى ما يزيد عن متر. من جهة أخرى، فإن خطر الإصابة بالأمراض المعوية والجلدية جراء تسرب المياه الملوثة إلى الخيام والمنازل المدمرة التي تؤويهم يؤرق حياتهم التي لا تخلو من المعاناة.
وخلال حرب الإبادة، دمر الجيش الإسرائيلي نحو 655 ألف متر من شبكات الصرف الصحي في القطاع، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي. أضاف أن إسرائيل دمرت حوالي 88% من البنى التحتية في القطاع، بما يشمل المنازل والمنشآت الحيوية والخدماتية.
وعلى مدار أيام عدة، تأثر قطاع غزة بمنخفض جوي مصحوب بأمطار غزيرة ضرب الأراضي الفلسطينية منذ يوم الأربعاء الماضي، ومن المتوقع أن يضرب القطاع منخفض جوي جديد نهاية الأسبوع المقبل، بحسب الأرصاد الجوية.
كارثة بيئية
يقول المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا إنّ مدينة غزة تواجه كارثة بيئية وصحية متفاقمة بسبب تعطل منظومة الصرف الصحي وطفح المياه العادمة في العديد من الشوارع والمناطق المنخفضة، نتيجة الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنى التحتية خلال الإبادة. يضيف: “أدت الاعتداءات إلى تدمير واسع في شبكات الصرف الصحي، وقد خرجت ست محطات رئيسية لضخ المياه العادمة عن الخدمة، وتضرر أكثر من 175 ألف متر طولي من الشبكات، ما جعل القدرة الاستيعابية لشبكة الصرف الصحي شبه معدومة في العديد من المناطق”.
يوضح أنه مع استمرار تعطل شبكات الصرف الصحي، فإن ظاهرة طفح المياه العادمة “تزايدت خصوصاً في المناطق المنخفضة والأحياء المكتظة، ما يشكل تهديداً مباشراً للصحة العامة”. ويحذر من أثر تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع والأحياء السكنية في القطاع على صحة الإنسان، بما في ذلك “انتشار الأمراض الجلدية والتهابات الجهاز التنفسي والأمراض المعوية الناتجة عن التلوث البيئي”.
كما أن المياه الراكدة تتحول إلى “بيئة خصبة لتكاثر البعوض والحشرات الناقلة للأمراض، ما يزيد من معاناة المواطنين وخصوصاً الأطفال وكبار السن”، على حد قوله.
نقص المعدات
يقول مهنا إن بلدية غزة تبذل جهوداً “استثنائية للتعامل مع هذه الأزمة، وتعمل فرق الطوارئ على مدار الساعة لتصريف المياه العادمة باستخدام الآليات المتوفرة، رغم النقص الحاد في المعدات والوقود اللازم لتشغيل محطات الضخ والمعالجة. إلا أن حجم الضرر وتدمير محطات ضخ مياه الصرف الصحي الرئيسية، بالإضافة إلى عدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بإدخال معدات الصيانة والأنابيب اللازمة، يجعل الأزمة تتفاقم يوماً بعد يوم”.
ويطالب مهنا “الجهات الدولية والإغاثية بالتحرك العاجل لتوفير الوقود والمضخات اللازمة لتشغيل محطات الصرف الصحي، وإدخال المعدات والمواد اللازمة لصيانة الشبكات المتضررة، قبل أن تتحول هذه الأزمة إلى كارثة صحية وبيئية لا تمكن السيطرة عليها”. كما يدعو إلى “تدخل فوري للضغط على الاحتلال لرفع القيود المفروضة على إدخال مستلزمات إعادة الإعمار، لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة”.
بدوره، يقول مدير جهاز الدفاع المدني في محافظة غزة رائد الدهشان إن المنخفض الجوي الأخير خلف معاناة كبيرة للناس بسبب تجمع مياه الصرف الصحي في الشوارع والأحياء السكنية. يضيف: “في ظل عدم وجود بنى تحتية في القطاع بعد تدميرها خلال الحرب، الوضع الإنساني سيئ للغاية”. ويوضح أن “تدمير البنى التحتية وضع الفلسطينيين بمواجهة عدة أزمات، أسوأها تجمع مياه الصرف الصحي في الشوارع بعد المنخفضات الجوية والأمطار الغزيرة”.
ويذكر أن نقص الوقود يزيد من هذه الأزمة، ويعيق عمل المضخات التي تسحب مياه الصرف الصحي المتجمعة في الشوارع، ما يؤدي إلى مكرهة صحية. ويشير إلى أن جهازه أنذر الفلسطينيين بضرورة الابتعاد عن البرك والتجمعات الكبيرة من مياه الصرف الصحي، وخطر اقتراب الأطفال أو مرور السيارات عبرها، وذلك نظراً لوصول بعضها إلى مستويات مرتفعة.
ويلفت إلى أن انعدام وجود الآليات والمعدات لدى البلديات والدفاع المدني بسبب تعرضها للتدمير خلال الحرب يفاقم من هذه الأزمات. ويحذر من أن استمرار إشكالية عدم توفر المعدات والآليات والوقود سيؤدي إلى تراكم الأزمة لتتحول إلى كارثة بيئية كبيرة.
معاناة مضاعفة
ويقول الدهشان إن الأزمة تُضاعف مأساة الفلسطينيين الذين عاشوا أكثر من 15 شهراً من الإبادة الجماعية، وما زالوا يعانون جراء انعدام مقومات الحياة والبنى التحتية. يتابع أن الفلسطينيين بغالبيتهم يعيشون داخل خيام قماشية مهترئة وسط البرد القارس والخدمات المنعدمة.
ويوضح أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين فضلوا العيش في المنازل المدمرة والآيلة للسقوط لتحميهم من الغرق بمياه الأمطار داخل الخيام، وسط مخاطر كبيرة تهدد حياتهم. ويشير إلى أن طواقم الدفاع المدني واصلت عملها خلال المنخفض الجوي في مسارين، الأول الاستجابة لاستغاثات المواطنين جراء المنخفض، والثاني انتشال الجثامين العالقة تحت الأنقاض. ويناشد الجهات المعنية ضرورة إدخال المعدات والآليات اللازمة لعمل طواقم البلديات والدفاع المدني لحماية الفلسطينيين من الكوارث البيئية.