كتب: أحمد رضا
دائما يجيب المسؤولون عن السياحة المصرية بإجابات ذات اعتبارات كمية .. عند سؤالهم عن كيفية تنمية السياحة في مصر ؟.. أو رداً على السؤال.. لماذا لا تحصل مصر على نصيب عادل من السياحة العالمية؟ ..
فمثلاً يتحدثون ان الطاقة الاستيعابية للفنادق وهي حوالي 200 ألف غرفة أو أكثر، لا تسمح بزيادة عدد السياح للطموحات التي يتمنوها، أو أن الطاقة الاستيعابية للمطارات و وسائل النقل وخلافه هي كذلك لا تسمح لهذه الزيادة ، بينما يضربون المثل بالبلاد السياحية الكبرى المشابهة لنا في المنطقة مثل تركيا و اليونان، والتي لها طاقات مادية أعلى من ذلك بكثير، مما يساعدها ويؤهلها لتنمية سياحية كبرى وبالتالي يتم توجيه الحديث الى أننا نحتاج الى ضخ استثمارات مالية كبرى لبناء المزيد من الفنادق و المرافق السياحية وزيادة طاقة المطارات و النقل و الاماكن الترفيهية.. إذن المشكلةيتم توجيها دائما نحو الاحتياج للأموال! وهو في الحقيقة.. استمراراً لنفس النهج التقليدى للتحليل الكمي لمشكلاتنا الاقتصادية بشكل عام.. واختزال كل مشاكلنا الاقتصادية في نقص المال واحتياجنا فقط لمزيد من الإمكانات المادية لتحقيق المطلوب .
ما صعوبة ان يتم ازالة او تطوير العشوائيات في المسارات السياحية فقط! و كم التكلفة في ظل ما انفق على البنية الاساسية مؤخرا و تطوير عشوائيات آخرى.
أوائل هذا العام 2024 زرت مكانا اثرياً وسياحياً رائعاً في المقطم، يسمى دير الأنبا/ سمعان الخراز وهو مكان رائع بتكوينه في الجبال حتى ان هناك ألعاب ترفيهية فيه على سفح الجبل، وفوجئت بكم الافواج السياحية الكبير الموجودة هناك من الاجانب.. الطريق الى هذا المكان المميز والمجهول لأغلب القاهريين، يمر عبر منطقة غاية في السوء تسمى عزبة الزبالين.. و تفوح منها رائحة القمامة كريهة.
اذا بحث اي شخص في اليوتيوب عن تجارب اليوتيوبر الرحالة في السفر الى مصر، سيجدها مليئة بالانتقادات والسلبيات والسبب في ذلك ايضا يعود للمضايقات التي يقابلها هؤلاء و تشمل الإجراءات الروتينية مثل تراخيص التصوير والمنع أحياناً علاوة على القيود بالنسبة لأدوات التسجيل الى اخره.. من المعروف الآن أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أهم اساليب الدعاية السياحية بعد أن تراجع دور التلفزيون والصحف عالميا، وكل من يسافر الى بلد يبحث عنها مسبقاَ على التواصل الاجتماعي واليوتيوب لمعرفة تجارب السفر و السياحية فيها.
لأسمع مشاكلهم الإجرائية والتي يقولونها دائما على مواقعهم وأسعى لحل هذه التعقيدات الروتينية بالإضافة للاهتمام بكل النقاط الكيفية التي ذكرت عليها..
ما زلت اعتقد انه بتحسين هذا الملف الكيفي والمعنوي للتنمية السياحية في مصر يمكن الحصول على الكثير وبدون ضخ استثمارات مالية مباشرة وفقاً لقاعدة العرض والطلب البسيطة والمباشرة.. فإنه اذا تحسنت تجربة السفر الى مصر وارتفع الصيت السياحي لها، سيزيد الطلب السياحي عليها ، وبالتالي يرتفع سعر هذا المنتج السياحي، هنا يمكن رفع الاسعار وبالتالي زيادة المدخول السياحي المالي وبنفس عدد السائحين.. فالاهم هو الدخل السياحي وليس عدد السائحين، إذن التنمية الرأسية ممكنة وليس بالضرورة الاحتكام الى التنمية الأفقية.
ان دول اقليم البلقان ويوغسلافيا السابقة تشهد اقبالاً سياحياً غير مسبوقاً في السنوات الأخيرة، ولكن في المقابل فإنها بلدان صغيرة مثل كرواتيا والجبل الاسود والبانيا و حتى اليونان، مما يشكل عبئاً و ضغطاً على امكانات البنية الأساسية فيها و الزحام المروري ، لقد اتجهت بعض هذه البلدان الى سياسة تخفيض اعداد السائحين مع الاحتفاظ بنفس الدخل السياحي مستغلة فى ذلك الطلب المتزايد عليها، فمثلا غرف الفنادق الثلاثية، حولتها لسريرين، و الثنائية لفردية، مع رفع السعر.
أعود للنقطة التي بدأت منها.. الكم × الكيف .. فالهدف هو الدخل السياحي وليس بالضرورة عدد السائحين، ولا مانع من الاثنين معاً.. لكن ليس اقتصاراً على الكم من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية و ضخ استثمارات فقط.
.. إنه في ظل نقص الموارد المالية لتحقيق التنمية الكمية، فلنركز على التنمية الكيفية بأمثلة المسارات التي ذكرتها .. أنني مازلت أظن وأرى أنه..
بالإمكان.. أفضل مما كائن.. وكان