كتب: أحمد رضا نيفة

لا يعرف اغلبنا.. الكثير عن جزيره زنجبار الافريقيه ، ربما نعرفها كوجهه سياحيه شهيره ، حيث الطبيعيه البديعه والشواطئ الخلابه. يقصدها العرسان دائما لقضاء شهر العسل وتظهر هكذا في محركات البحث بطلتها السياحيه كوجهه سياحيه.

 اغلب العالم العربي حاليا لا يعرف انه كانت هناك دوله شبه عربيه في زنجبار حتى وقت قريب في الستينات ، وكانت بلد ناجحا ومزدهرا.. ثم ضاع واندثر .. للأسف وتحديدا سنه 1964 ويشبهها الكثيرون بانها اندلس افريقيا او مرثية  العرب في افريقيا !

أولا هي تكتب باللغه العربيه هكذا زنجبار، ولكنها باللغه الانجليزيه واللغات الاوروبيه تكتب وتنطق بطريقه مختلفه قليلا هكذا ZANZIBAR  ويرجع اصل التسميه الى كلمه بر-الزنج او زنج-البر أطلق العرب عليها هكذا وتحرفت الى التسميه الحاليه زنجبار.

يرجع تاريخها قبل عام 1964 الى الحقبه العربيه في عهد السلاطين العُمانيين.. والتي ما زالت مستمره حتى الآن.  فسلطنه عمان التي يحكمها الآن ..السلطان هيثم بن طارق  .. سلطان عُمان الحالي والذي يمتد لعائله عريقه حكمت عمان منذ قرون وما زالت. لمن لا يعرف عُمان كانت دوله قويه جدا في القرون الوسطى وكانت ممتده على  مساحه كبيره بين القرن الافريقي في شرق افريقيا وحتى جنوب إيران وباكستان الحاليه وكانت عاصمتها في مسقط.

 

حدث صراع في القرون الوسطى بين العمانيين والاوروبيين ، تحديدا البرتغاليين والانجليز واحيانا الأسبان.. صولات وجولات .. لأن المستكشفين الاوروبيين تنافسوا مع المستكشفين العمانيين أو العرب ، واشهرهم بطبيعه الحال الرحاله الشهير.. احمد بن ماجد ، وفي النهايه ضعفت وتراجعت دوله السلاطين العمانيين في القرن التاسع عشر، وسيطر الاوروبيون على ساحل افريقيا الشرقي ولم يتبقى منه إلا جزيره زنجبار، ثم ما لبث أن حدث انفصال لجزيره زنجبار عن السلطنه العُمانيه الأم ، لكن ظلت محكومة بالحكم العربي بصفتها دوله مستقله تحت اسم سلطنه زنجبار كان هذا في عام في 1856 ، وفي حاله متفرده انها مستعمره عربيه في افريقيا شأنها شأن المستعمرات الاوروبيه الأخرى بافريقيا ، طبعا معروف تصارع الدول الاوروبيه المختلفه في هذا الوقت على السيطره والنفوذ في افريقيا مثل بريطانيا وفرنسا وغيرهم.

 

لكن كما قلنا ظل يحكمها العرب ، والنخبه العربيه هي من سيطرت عليها بصفتهم اصحاب الاقتصاد والسياسيين. نسبه حوالي خمس لربع عدد السكان من اصول عربيه وهم احفاد المهاجرين القادمين من عمان و اليمن وغيرهما ، بالإضافة لسكان زنجبارالأصليين من الأفارقه وجنسيات اخرى كالهنود والايرانيين وغيرهم. لكن زنجبار حتى عام 64 كانت ناجحه جدا و متطوره ، فيها حكم رشيد و تنميه كبيره. مثلا كانت من اوائل الدول في افريقيا التي دخلها الكهرباء والماء حتى قبل الكثير من الدول العربيه في ذلك الوقت. وطبعا كما كل الدول تحت الحكم الملكي يكون فيها إداره رشيده بحكم جيد قائم على حريه راس المال والاقتصاد والتجاره وفيها تنميه عامره وحتى انه كان يقال ان زنجبار وجنوب افريقيا هما انجح بلدين في افريقيا آنذاك بالنصف الاول من القرن العشرين ، كما كان ميناؤها ميناء متطورا وعامرا ، يصنف من اهم موانئ افريقيا وربما حتى موانئ العالم .

 

كان يحكمها في هذا الوقت سنه 1964 السلطان جمشيد عبد الله .. وهو ايضا من اصل عربي ، وكان فيها حكم ملكي دستوري وفيها احزاب و انتخابات تداول سلطه بين الاحزاب.. لكن هناك من اخذ على العرب انهم كانوا اصحاب المزارع والاقتصاد والراسماليه الإقطاعيه وهو ما ادى بالنهايه الى الانقلاب الشيوعي والذي حدث سنه 1964.

 

الانقلاب الشيوعي كان ماساه بكل المقاييس والذي قامت به احزاب وحركات افريقيه شيوعيه متاثرين بحاله المد الثوري التي كانت سائده انذاك في الستينات ، وللاسف كانت مصر الناصريه لها دورا في هذا .. بتشجيعها للعالم الافريقي بالتحرر من الاستعمار الاجنبي وان يسود السكان اصحاب البشره السمراء بصفتهم السكان الاصليين المهمشين على اصحاب البشره الفاتحه.

فعليا .. لم يُسجل ان مصر كان لها دور في زنجبار بالتاثير او التدخل لكن واضح ان هذا المد التحرري وصل الى زنجبار بشكل او بآخر. طبعا كان هناك زنجباريون يعيشون في مصر ويدرسون في الازهر وغيره ، لكن عندما حدث هذا الانقلاب الشيوعي وكان دمويا للغاية .. كانت مصر الناصرية في هذا الوقت محتاره ! لا تعرف ماذا تفعل هل تقف مع الانقلاب الشيوعي الافريقي ضد العرب أم تقف مع العرب ضد الحركه الافريقيه الشيوعيه ! مصر كانت مرتبكه .. فهي في جانب كانت تؤيد حركات التحرك الوطني الافريقي ضد المحتل الابيض لكن في هذه الحاله كانت حاله متفرده لان مصر ايضا كانت ترفع شعارات القوميه العربيه والعروبيه وهؤلاء عرب ! في نهايه الامر للاسف آثرت السكوت ، و كان موقفا متخاذلا من مصر الناصريه ولم تقم باي موقف يذكر ، ومعظم العرب لم يقوموا باي موقف قوي .. حتى الاخبار المتداوله وقتها كانت ضئيله جدا في الإعلام  المصري ، جريده الاهرام وقتها وكان حسنين هيكل رئيسا لها.. كانت تضع اخبارا مقتضبه جدا بينما العالم كله يتكلم عن المذابح والتطهير العرقي والمجاذر التي تحدث. ربما السعوديه والأردن حاولا ان يقوما بدور لمسانده الشعب العربي الزنجباري وقاما بدور دبلوماسي ، لكن طبعا الامكانات حينها كانت ضعيفة.

 

 بالرجوع للانقلاب الشيوعي الاسود ، وقام به افارقه .. بعضهم لم يكونوا زنجبارين ، كانوا من اوغندا وبلاد اخرى. في نهاية المطاف فر السلطان جيمشد عبد الله .. بسفينته  من قصره المطل على البحر، وفر معه من استطاع من العرب ،وحدث ملاحقات و مداهمات وقتل للسكان العرب ومذابح فظيعة  وجماعيه. في قريه واحده قتل 5000 فرد وقُدر العدد الاجمالي بحوالي 20.000 عربي تم قتلهم وطبعا كانت ماساه في جبين العالم لا يذكرها أحد.

الزنجباريون العرب الفارون وصلوا نهايه المطاف الى عمان بلدهم الاصلي بعد ان عبروا عده بلدان وعده محطات ولكنهم استقر بهم الحال في النهايه في عمان. بعيد وصول السلطان قابوس بن سعيد الى الحكم عام 1970 رحب بهم ترحيبا شديدا ومنحهم الجنسيه العمانيه ، وقرر ان يستفيد بكفاءتهم وتعليمهم الجيد واصبحوا مواطنين واسهموا اسهاما كبيرا في تطور عمان ونهضتها الحديثه التي أصبح السلطان قابوس باعثها.

السلطان جمشد عبد الله.. نفسه عاد الى عمان بعد ان عاش لفتره طويله في بريطانيا ،وهو مازال حيا يرزق حتى الان وهو في التسعينات من عمره يعيش فيها.

وهناك الكثير من مشاهير عمان الان والشخصيات العامه من اصل زنجباري ، ما زالوا يعملون ويسهمون في عمان .. طبعا كانوا شهود عيان في شبابهم وطفولتهم على أحداث ومأساه زنجبار ومنهم الشيخ.. أحمد الخليلي.. مفتي عمان الحالي والذي ظل في موقعه منذ عقود ، ويحظى باحترام كبير في العالم الاسلامي بمواقفه القوية من قضايا الامه الاسلاميه.


 

ما هو وضع زنجبار الآن؟

زنجبار الان وبعد عام 64 لم تعد دوله مستقله ، انما انضمت الى دوله تانزانيا المستحدثه واصبحت اقليما منها تحظى بحكم ذاتي وهنا ينبغي ذكر ان تنزانيا بحد ذاتها هي دوله مستحدثه ، واسمها نفسه مستحدث ، يتكون من مقطعين: الاول هو(تان) تنجانيقا وهو الاسم القديم لهذه المنطقه في شرق افريقيا ، والمقطع الثاني هو (زان) وهو المقطع الاول من زنجبار.. وتم دمج الكلمتين واصبحت تانزانيا.

 

ما هو التطور الذي حدث في زنجبار بعد 64 حتى الآن؟

تدهورت زنجبار بعد الحكم الشيوعي بسبب سوء الاداره والحكم  الرديء..حيث صودرت الاملاك الموجوده و المشروعات تحت اسماء و شعارات عده ! لم يحافظوا على المصانع والمزارع الموجوده فتدهورت الاوضاع  وتراجع الاقتصاد. قاده الحركه شيوعيه نفسم انقلابوا على بعض ونكل بعضهم العض بسبب صراعات السلطة والولاءات.

في الفتره الاخيره تحسنت أوضاع زنجبارتدريجيا بعد ان زال الحكم الشيوعي عنها ، لكن لا زالت متأخره ولم تصل للمكان الذي يفترض ان تكون فيه. 

عاد كثير من العمانيين الزنجباريين إلى بلدهم الاصلي يسترجعون ذكرياتهم ، والحنين يقتلهم! منهم من حاول ان يستثمر فيها أو يؤسس لأعمال تجارية.

تطورت زنجبار قليلا في الفتره الحاليه خصوصا بعد الاستثمار والترويج السياحي كما يتزايد السياح الوافدون إليها كل عام ، لتسطر تاريخا من التارجح بين السياسه والسياحه.

By أحمد رضا

https://youtube.com/@user-pj7ly4ti4p?si=Gsd96x0vQWAtWA30 مهندس و مفكر سياسي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *