كتب: أحمد رضا نيفة

طال المطال يا حلوه تعالي.. مال الشام والله ده مالي ..  أهزوجة شامية تراثية قديمة.. تلامس موسيقاها آذاننا.. ليحملنا الحنين الى سوريا.. هذا البلد العربي المهم وأحد أهم الاضلاع المؤثرة في الامة العربية .. فهي أحد الدول الخمسة المؤسسة لميثاق الجامعة العربية سنة ١٩٤٥ وهي أحد أهم الدول المصدرة للثقافة العربية و ذلك بإنتاجها الثقافي الوافر ، وزخمها البشري ، بالإضافة لتصديرها للقوى البشرية لبلاد اخرى كثيرة كما أن لها جاليات مهاجرة كبيرة في أنحاء العالم ، و لكل هذه الأسباب وغيرها من تاريخ عريق و تراكم حضاري وشعب ذكي مجتهد نشيط يتكون من إثنيات و قوميات و حتى معتقدات عديدة.. جعل لسورية .. وزناً و تأثيراً هامين ، ناهيك عن موقعها الجغرافي المتميز، والذي يتماس مع عدد من أقاليم العالم و نقاطه الهامة. 

لم تعد أخبار سوريا الآن تتصدر نشرات الاخبار العالمية كما كانت منذ بضع سنوات.. ربما يرجع ذلك للهدوء النسبي الذي حدث فيها وربما لإنشغال العالم باحداث اخرى أبرز منها. والحقيقة أن الكثيرين يعتبرون أن الحرب في سوريا إكلينيكيا انتهت ، لكن  الأحوال في سوريا ليست بعد على ما يرام ، ولم تعد إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١

 

ما هو الموقف الآن في سورية؟ وما هي خريطة النفوذ؟ ومن الذي يتحكم في الارض؟

 

 

للاسف الشديد كل اصحاب النفوذ في سورية الان هي قوى غير عربية ما بين أطراف دولية واقليمية ، ولا يوجد لاعب عربي واحد في المضمار السوري سواء يدعم الدولة السورية او غيرها.

و بالمناسبة .. أنا لا أحب ان اسميها بالنظام السوري كما يطلق عليها الاعلام العالمي فانا ما زلت اقول عليها الدولة السورية.

1- تسيطر الدولة السورية على أقل من 70% من المساحة في سوريا الآن و لكنها الاراضي الأهم ، لأن بها الحواضر والمدن الرئيسية وطبعا دمشق ومعظم المحافظات. إن جميع المدن المعروفة في سوريا

، والتي يعرف أسماءها المواطن العربي العادي تقع في نطاقها  .. و هي تنعم بالامن و الاستقرار ، ولكن تعصف يها أزمات اقتصادية حادة من غلاء و تضخم ، نقص مواد اساسية والانقطاع اليومي للكهرباء لساعات طويلة وبطالة ، بالإضافة لضعف خدمات الدولة.

تمثل مناطق سيطرة الدولة .. أغلب سوريا باستثناء مناطق الشمال المتاخمة لتركيا و جيب واحد صغير في الجنوب الغربي، وبرغم قدرة الدولة السورية على الحسم العسكري لمعظم المناطق الشمالية ، إلا انه يصعب ذلك لوجود الحماية والدعم التركي لمجموعات الشمال الغربي و الوسط ، او لوجود الدعم الغربي ..أمريكي وفرنسي للمجموعات الكردية الموجودة في مناطق الشمال الشرقي ، كما سنذكر بالتفصيل أدناه.

2- يسيطر الأكراد القوميون على حوالي قرابة 30% من مساحة سوريا وهي المنطقة الشمالية الشرقية في المثلث ما بين تركيا والعراق وسوريا وهم يشكلون ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية أو اختصارا.. “ق س د”  أو قسد ، ولهم معظم محافظات الحسكة ودير الزور والرقة..  الغنية بالنفط والزراعة لكن عواصم المحافظات فقط تحت سيطرة الدولة السورية،  وهؤلاء الاكراد القوميون لهم عداء أزلي مع تركيا. تتكون قسد من عدة مكونات اهمها ما يعرف بوحدات حماية الشعب الكردية وهي المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في تركيا ، لذلك لهم عداء مع تركيا لانها تعتبرهم امتدادا لحزب العمال الذي له عداء شديد وتاريخي مع تركيا ، وقسد فيها ايضا مكونات اخرى أصغر مثل مجموعات اكراد بتوجهات اخرى وبعض العشائر العربية المحلية. وتعتبر امريكا وفرنسا والقوى الغربية الداعم الأساسي ل قسد ، وامريكا لها قواعد صغيرة في مناطق قسد ببضع مئات من الجنود وكذلك فرنسا ببضع عشرات الجنود، وهما يطمعان ايضا في النفط الموجود في المنطقة ، لوجود عدة حقول نفطية هامة.. مثل حقلي تيم وعمر وغيرهما.

 و الحقيقة أن سيطرة قسد على هذه المناطق اثر على الانتاج النفطي السوري ، فبعد ان كانت سوريا مُصدرة للنفط قبل الثورة،  الآن هي مستوردة له ، لخروج كثير من مناطق النفط من تحت سيطرتها و تعاني من أزمات وقود باستمرار.  إن الأمر بخصوص قسد معقدٌ جدا.  فقسد تكره تركيا ، وتركيا تغضب من امريكا لدعمها قسد ، وامريكا تعتبر قسد البديل المحلي المقبول لداعش ، فقد استطاعت قسد السيطرة على هذه المناطق من داعش التي كانت موجودة فيها عام 2015 بدعم امريكي ، وكانت الرقة هي عاصمة داعش حينها. 

عسكرياً يمكن للجيش السوري ان يهزم قسد ويسيطر على هذه الاماكن ! الا ان الدعم الامريكي لقسد و القواعد الأمريكية في مناطقها يجعل المسألة مستحيلة ، لأن الجيش السوري سيحتاج أن يحارب أمريكا و فرنسا ليمر عبر قواعدهما.

3- المعارضه الإسلامية المتشددة في إدلب (2 الى 3% من مساحة سوريا) وهم يتكونون بشكل أساسي من جبهة النصرة والتي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة لحد كبير ، ولكن منذ بضع سنوات غيرت اسمها الى هيئة تحرير الشام ! وذلك بعد ان وجد قادتُها ان اسم جبهة النصرة مرفوض دوليا ، وكانت عقوبات دولية قد فرضت على الجبهة. إنهم يسيطرون الآن على أكثرمن نصف محافظة إدلب وأجزاء بسيطة من شمال محافظات حلب وحماة واللاذقية ، كما يوجد بعض بقايا الجيش السوري الحر وهم غير اسلاميين لكنهم الآن تحت سيطرة هيئة تحرير الشام باسمها الحالي الجديد. و يوجد في إدلب أيضا الاسلاميون الفارون  من المناطق الاخرى داخل سوريا والتي هربوا منها بعد ان اجتاحتها قوات الدولة السورية وذلك إثر توقيع اتفاقيات للإجلاء من مناطق مثل ريف دمشق وحلب وحمص و درعا وغيرهم ، فحملتهم الباصات الخضراء الشهيرة – رمز هذه الاتفاقات- الى منفاهم الاختياري.

إدلب مسألةٌ معقدة فيوجد بها الآن حوالي ثلاثة ملايين ، سوري معظمهم من المحسوبين على التيارات الإسلامية بأطياف مختلفة لكن السيطرة هي لهيئة تحرير الشام. تقع محافظة إدلب  في الركن الشمالي الغربي في المثلث بين تركيا وسوريا والبحر المتوسط ، واهم مدنها هي .. مدينة إدلب و جسر الشغور و معرة النعمان ( مسقط رأس الشاعر القديم .. ابو العلاء المعرّي). الجيش السوري  يمكنه فعليا أن يحسمها عسكريا بلا صعوبة ، لكن الحماية التركية لها هي ما يمنع ذلك ، وقد كاد الجيش  السوري ان يجتاح إدلب في عام 2020 عندما دخل الى سراقب وطريق M4 ولكن تهديد تركيا باندلاع حرب مباشرة.. جعل الجيش السوري يتراجع حتى لا يدخل في حرب مع تركيا لا يمكن أن ينتصر فيها ، وسرعان ما بدأت التفاهمات التي تمت بوساطة روسية..  ليبقى الأمر كما هو عليه ، فتركيا رغم انه لا مطامع لها في إدلب إلا انها تخشى من قنبلة النازحين السوريين الذين سينتقلون هرباً اليها من قوات الجيش السوري عبر الحدود. وخصوصا ان هؤلاء الثلاثة ملايين سوري هم من المحسوبين على التيارات الإسلامية المتشددة مما  يمثلون قنبلة موقوتة داخل تركيا! لا يمكن أن تقبلهم أبداً . إننا نشاهد جميعا قناة الجزيرة وهي دائما ما تعرض بمراسليها أخبار إدلب باعتبارها نموذجا للمعارضة الإسلامية الثائرة و التي تتعاطف معها قناة الجزيرة..

 و بالنهاية .. ليبقى الحال كما هو عليه .. و على المتضرر اللجوء للزمن.

4- الاحتلال التركي للشريط الشمالي الأوسط المتاخم لتركيا بمساحة حوالي ( 1%) وتحتله تركيا بشكل مباشر من خلال تواجد الجيش التركي فيه ويعاونها ميليشيات سورية عميلة كردية و تركمانية و بقايا الجيش الحر.. صنعتهم تركيا تحت أسماء مختلفة.. ، اهمها ميليشيات السلطان مراد و ودرع الفرات و غيره ، وأجرت عمليات بمسميات مثل غصن الزيتون وونبع السلام. والحقيقة أنه ليس لتركيا أطماع في هذا الشريط ، و تواجدها فيه يسبب صداعاً لها واستنزافاً مالياً ، ولكنها تخشى إذا تركته ان يحدث فراغاُ فيه يؤدي الى ان قسد بمكوناتها المعادية لتركيا يمكن تتمدد له وتحتله ! فغرض تركيا هو عمل نطاق عازل فقط. أما اهم مدن هذا الشريط هي مدينة  عفرين الكردية بالاضافه لبلدات اخرى مثل جرابلس واعزاز والباب وغيرهم ، بالإضافة لشريط آخر منفصل به بلدات تل أبيض و راس العين. و يرى الكثيرون ان هذه المنطقة هي أسهل مسألة يمكن حلها ، لان تركيا على إستعداد ان تنسحب منها اذا حدث تفاهمات تضمن ان يعوض الجيش السوري هذا الفراغ ليمنع تمدد قوات قسد. طبعا لا يمكن توقع حدوث هذا إلا في ظل حكومة جديدة فيما بعد اردوغان، فالامل ما زال معقودا أن يتم حل هذه المسألة .. لكن على الجانب الآخر فالمكون الكردي و التركماني في هذه المناطق لا يحبا أن تعود الدولة السورية إليه. الحقيقة ان هذه المنطقة تعيش اضطرابات وهي اقل المناطق الخارجة على سلطة الدولة من حيث  الأمن وأكثرها اضطرابا ،  لان هذه المليشيات التي ذكرتها تتصارع فيما بينها على النفوذ والسلطة  والمال من فرض الاتاوات والرسوم و الغرامات والضرائب! في حين يشعر السكان بالضجر الشديد والاستياء .. وهذا الموقف مازال هناك.

5- أخيرا أطلال داعش التي ما تازال تناوش في بقايا جيب صغير بمنطقة البادية في الجنوب الغربي بالقرب من حدود العراق ، وهي لا تمثل نسبة مساحة تذكر وغير موجودة بشكل دائم ، لكنها تظهر وتختفي مثل الشبح ،ولكن الأمن ليس مستتباً في هذه المنطقة.

كما يعتقد وجود قوات غربية تتحرك أو تحوم في هذه المناطق لملاحقة داعش ، ربما تأتي بإنزالات جوية، لكن لا توجد تأكيدات بذلك من مصادر مؤكدة.

 

من هم حلفاء الدولة السورية؟

 

– روسيا وهي اللاعب الرئيسي الذي قلب دفة الحرب لصالح الدولة السورية منذ تدخلت عام 2015 وصاحبة النفوذ الاكبر، وطبعا لها أطماع في سوريا ولها عدة قواعد وتمركزات.. اهمها قاعدة  حميميم على الساحل السوري وتعتبرها روسيا جزءا منها ،  فعندما زارها الرئيس بوتين واستقبل فيها بشار الأسد ..صاح قائلاً أهلا بك في روسيا.

 

– إيران وحلفاؤها.. و هؤلاء الحلفاء أو لنقل أتباع أو “ألاضيش” بتعبير شعبوي .. يحملون الأجندة المذهبية “الشيعية” وهذا لايخفى على أحد وليس سرا ، وهو المطمع الرئيسي لإيران في سورية ، لأنها تريد أن تسيطر على كل الهلال العربي الخصيب .. الذي يبدأ من العراق وحتى لبنان مروراً بسورية. عندما اتحدث عن حلفاء ايران طبعا هم في المقام الاول حزب الله اللبناني وقوات عراقية تتبع للحشد الشعبي بالاضافة لميليشيات لواء فاطميون وهي ميليشيات مذهبية متطوعة أحيانا، مستجلبة من افغانستان وباكستان.

 

وأخيراً.. أنا لا أؤيد ولا أنتقد الرئيس السوري بشار الاسد عندما يتعاون مع حلفائه بمطامعهم .. لأنه لم يجد سنداً اخراً بديلاً.. ولم يكن ليستطيع ان يستمر بالدولة السورية وحدها ، في الوقت الذي ترك العالم العربي سوريا وحدها للقوى الخارجية الاخرى تمرح فها. في بعض المراحل السابقة دعمت دول عربية أطرافاً معارضة مثل الجيش السوري الحر وجيش الاسلام الذي كان موجودا في ريف دمشق ، ولكن كل هذه الاطراف إما تلاشت تماما او شبه ذلك.. والآن ما تزال سوريا وحيدة وتعاني من العزلة العربية فلا يزورها أي مسؤول عربي تقريبا باستثناء العراق ولبنان وذلك ربما تحت مظلة ايرانية .. وبرغم الانفراجة التي حدثت في مؤتمر القمة العربية الاسلامية في الرياض واستقبال الرئيس السوري هناك ، توقعنا ان تتطور الانفراجة .. ولكن بقى الحال كما هو عليه في نفس الثلاجة .. إن سؤالي الأخير للضمير العربي هو .. أما آن الأوان لنستعيد سوريا لحضن الأمة العربية؟

لأنتهي مما بدأت… مال الشام والله ده مالي .. طال المطال يا سوريا تعالي…

 

 

By أحمد رضا

https://youtube.com/@user-pj7ly4ti4p?si=Gsd96x0vQWAtWA30 مهندس و مفكر سياسي مصري

One thought on “سوريا المهمة ..التي لم تعد تذكر كثيرا””

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *