كتبت: سارة محروس
بالتأكيد السيدة سليلة إحدى العائلات الملكية التي وضعت طفلها في يناير 6791 بولاية جايبور بالهند لم يكن في مخيلتها أن يحقق إبنها ذروة الشيء بموته، علي مدار 35 سنة عاشها هذا الطفل الشغوف بالسينما التي تمثل الحلم بالنسبة له، لم تتدفق نجوميته بهذا الزهو إلا في اللحظات اللاحقة لسكون جسده التام.
بعدما أنهى دراسته في نيودلهي إنتقل صاحب زادة عرفان علي خان إلى مومباي 1987 و بدأ في مضمار إشباع الشغف الذي يدق في رأسه ، شارك في أدوار مسرحية بسيطة، لتكون أول مشاركة له في السينما 1988 في فيلم (سلام بومباي!) (!Salaam Bombay) باسمه الفني “عرفان خان”. هذا الفيلم المؤثر الذي إهتم بحياة أطفال الشوارع في المدينة المزدحمة، لعب فيه عرفان أول أدواره، كاتب للرسائل ليكون همزة وصل بين هذا العالم الجاهل المُترع بالفقر و عالم القراءة و الكتابة.ترشح الفيلم للأوسكار و نال العديد من الجوائز، و رغم بساطة دور عرفان و صغر حجمه لكنها بداية التأكيد تُشبع روح ممثل معجون بطينة الموهبة الفطرية..
“عرفان خان في المشاركة الأولى له بالسينما”
و بعد ذلك إستمر في سلسلة من الأدوار الثانوية البسيطة، أخذ أول دور بطولة له في فيلم (Private Detective) في منتصف التسعينيات، و في عام 2001 كانت إنطلاقة عرفان الحقيقية عندما قام ببطولة فيلم (The Warrior) وهو إنتاج هوليوودي، نال شهرة واسعة و إهتمام لأنه أرخ للحقبة الإقطاعية في الهند، و أول جائزة حصل عليها عرفان في مسيرته أخذها بعد دوره في فيلم (Haasil)2003 كأفضل ممثل شرير. و في العام اللاحق قدم واحد من أفضل أدواره في فيلمه (Maqbool) المأخوذ عن رائعة شكسبير”ماكبث”
علي مدار 30 سنة قدم عرفان أكثر من 170 عمل فني، تنوعت أدواره مابين ظهور صغير ، ممثل مساعد و بطل، و شارك في أعمال عالمية سواء في هوليوود أو بوليوود و حاز علي أعداد لا حصر لها من الجوائز، و إن حاولنا إيجاد رابط مابين كل أعماله ، أستطيع أن أرى بوضوح قدرة فائقة على الإختيار بتميز، بجانب هذه الموهبة الربانية كانت العبقرية البشرية حاضرة، عبقرية ترجع لثقافة و رؤية مختلفة إستطاعت أن تشق طريق منفرد لا يتشابه مع السائد
و بنظرة عامة علي السينما الهندية و خصوصا فترة وجود عرفان بسهولة نتأكد أنه ابتعد و حلق أعلى من الجميع، في حين ذهب الكل للحركة و الأداء المفتعل المبالغ فيه أحيان كثيرة، خلق عرفان لنفسه لون فلسفي تحوطه المشاعر مهما اختلفت القصة، لأكثر من مرة إستطاع أن يقدم أفلام الجريمة و يرتدي زي المحقق و أيضًا المجرم في أفلام كا(Talvar)،(Blackmail)،(The Killer). قدم الرومانسية و الدراما و الأفلام المقتبسة من الروايات مثل
(The Song of Scorpions)،(The Namesake)،(Life In A… Metro)
و في ظهوره الخاص في بعض الأفلام نظرته دائما ثاقبة تأكيدًا علي تميزه في الإختيار، فقد إستطاع أن يؤدي دور ضابط الشرطة في فيلم (Gunday)ببراعة تجعلك تتذكر مشاهده المعدودة في فيلم ناقش قضايا مهمة كالتشرد و التهميش و الفصل العنصري
و لعل أعظم أدواره بعيدًا عن البطولة المطلقة لعبها في الفيلم الأهم في تاريخ الهند الحاصل علي ثماني جوائز من (Slumdog Milionaire) الأوسكار ، وجوائز الجولدن جلوب و البافتا كأفضل فيلم
الذى فاز بثلاث جوائز أوسكار (Life of Pi) و فيلم
و رغم ابتعاده عن طريق منافسيه من نجوم الصف الأول في الهند بموهبته الفذه و قدرته علي تشخيص أصعب الأدوار المركبة، لم يكن عرفان بفتى شاشة و يمكن هذا السبب الوحيد الذي جعل غيره يتفوق عليه في الشهرة علي سبيل المثال في الشرق الأوسط و العالم العربي، إذا أعطينا لطفل صغير في أي بلد عربي صورة “لشاه روخان”سيعرفها على الفور أما عرفان فهو ممثل من طراز رفيع يعيش في وجدان جمهور السينما العاشق للسينما في حد ذاتها، تقابل عرفان (Billu)2009مع شاه روخان في فيلم و تفوق عليه في المبارة التمثيلية في فيلم دراما كوميدي
في 2018 أعلن عرفان عن إصابته بورم سرطاني في الغدد الصماء، ليبدأ طور مختلف تماما في حياته الشخصية و بالتالي المهنية، في وسط خضوعه للعلاج استمر عرفان بالعمل ليقدم في خلال السنوات من 2018-2020 أكثر من فيلم أشهرهم فيلمه الأخير (Angrezi Medium)
الذي يحكي قصة أرمل يسافر مع إبنته إلى لندن لتكمل حلم الدراسة في إطار درامي كوميدي. عُرض الفيلم بالسينمات في مارس قبل شهر تقريبا من وفاة عرفان.
في يوم الأربعاء 29 إبريل 2020 أُعلن وفاته بعد صراع قصير مع السرطان في مستشفى بمومباي عن عمر 53 عام. تاركًا زوجة و ولدين
لماذا إرتبطت معي نجومية عرفان باللحظات التي لحقت خبر موته رغم كل هذه النجاحات التي حققها جعلت منه ممثل عالمي له مشاركات هوليووديه؟!
لسنوات كنت اتابع فيها السينما الهندية عن قرب و اهتم بقراءة المراجعات للأفلام و اشارك ردود الأفعال مع بعض المهتمين علي مواقع التواصل الإجتماعي
كان اسم عرفان غائب ! حتى في أفلامه التي يلعب فيها دور مؤثر يأخذ دائما الصدد البطل ، و إن كان بطبيعة الحال أقل مضمونًا. أيقنت ربما أنه ممثل بارع على المستوى النقدي و إقتناص الجوائز لكن قدره ألا ينال صدى اسمه نفس رواج زملائه من نفس الجيل !
و هل كونه ليس بوسيم أو فتى مدلل للشاشة و المعجبين سبب كاف لعدم وجود صورته في الملفات الشخصية على مواقع التواصل أو على حائط غرفة، لأجيال من بلدان بعيدة كما العديد من نجوم الهند المؤثرين بشكل مباشر في شرقنا الأوسط ؟
في اللحظة التي فتحت بها حسابي على(فيس بوك) في 29 إبريل 2020 لم أرى أمامي سوى خبر وفاته و مع اعتياد لحظي للصدمة تصفحت كل ردود الأفعال على موت فنان لم يكن يشاركني عشق أداؤه حد الجنون أحد ، كل مجموعات السينما المعنية بالهندية أو لا ، تحتلها صورة عرفان ، تعليقات من بشر متعددي الجنسيات يتشاركون لحظات حزينة من صدمة فراق موهبة تمنوا أن يعيشوا معها لقطات أكثر، كُتاب و فنانين مصريين و عرب و أجانب يكتبون رثاء و دعاء
إنتقلت لتويتر لأرى اسمه متصدر التريند في مصر و بلدان كثيرة! و بدأت أسخط على العالم أكثر ، لماذا لم يشاركني شخص واحد في العالم هذا من قبل؟ و لماذا عشت مع رأي لم أستطع يوم تداوله مع أحد لاعتقادي أنه لن ينال التقدير! ربما كل هؤلاء مثلي. خضعوا للمؤثرات الخارجية و فرض الأصوات العالية و الميديا و لم يرغبوا بمحاولة تصدير رأي حتى لا يشعروا بخذلان عدم الاحتفاء أو الرفض.
انتهت حياة عرفان خان بشكل درامي بصراع مع مرض نادر،
و فلسفي حيث تقدير و حزن عجيب حد أقاصي العالم!
في حين كنت أشعر نفسي متوحدة في حب هذا الممثل العبقري إتضح أن الكثيرون يشاركوني نفس الشعور منهم صناع Assem Chhabra :مؤثرين في السينما. كتب الناقد
(Mark Ruffalo) بعض مواضع من حياة عرفان منها أنه تصادف مع
في أحد المطاعم في أمريكا و عندما شعر عرفان بالخجل من أن يذهب ليلقي التحية على رافالو لوجوده مع عدد من الأشخاص، تفاجأ عرفان بقيام رافالو بالذهاب إليه عندما لمحه أثناء إستعداده لمغادرة المكان و أبدى إعجاب شديد بأفلامه و أداؤه
Inferno أثناء مشاركته في فيلم استقبله توم هانكس بنفسه و أهداه رسالة ؛ أنه يتمنى أن يجمعهم الكثير من المشاهد. و وصفه؛ بأروع الرجال في الغرفة.
Interstellar حتى كريستوفر نولان طلب من عرفان أن يشارك في بطولة فيلم
و لكن فشلت المحاولة لانشغال عرفان وقتها ووصفة أنه : ممثل عظيم.