كتبت: سارة محروس
من
الممكن أن تجتمع عوامل مشتركة في بناء قوام عمل أدبي أو مرئي و لكن إن تعمقنا في
جوهرهم نرى الإختلاف رغم تشابه العناصر المؤسسة.
رؤيتنا
لكتاب أو فيلم تختلف بإختلاف أفكارنا و دوافعنا للحياة و فهمنا لمشاعرنا و ترجمتها
و بالقياس على ذلك فإن المتلقي قد يرى و يشعر بأشياء غابت عن الكاتب في عمليته
الإنشائية.
قد
يبدأ كاتبان من نقطة واحدة و يضعوا نقاط عريضة متكررة و متشابهة و لكن بتباين
الزمن و الحالة الإجتماعية و رسم الشخصيات يظهر الإختلاف الجوهري بين نص و نص.
في
قراءتي لرواية “قشتمر” للكاتب الكبير نجيب محفوظ أدركت معاني و مفاهيم
عريضة قامت عليها و اكتملت كعمل رائع فيما بعد بتفاصيلها المُتقنة،( الصداقة،
الحب،السياسة، الوطن) هم الأبطال للسطور و المحركين لمشاعر و إنفعالات الشخصيات
فائقة الرسم، و بإختلاف التوقيت و الزمن و البُعد السياسي المذكور في القصة تكرر
إدراكي لنفس العناصر في رواية أخرى قرأتها بعد سنوات من قشتمر و هي”شقة
الحرية” للكاتب و الدبلوماسي السعودي غازي القصيبي.
·
أوجه
التشابه العريضة:
باكورة
التعارف أو التلاحم بين الأبطال في الروايتين مكان معني بالدراسة، في قشتمر
“مدرسة البراموني بالعباسبة”، و في شقة الحرية “مدارس و جامعات
القاهرة و المدينة ذاتها بإعتبارها وجهة الطلابة المغتربين من بلدان عربية”.
التعددية
الثقافية و الطبقية للشخصيات حيث أصدقاء أوفياء رغم تباعد الحالة المادية و
الإجتماعية و إن عاشوا في نفس المنطقة ، في قشتمر يعيش أربع أصدقاء في حي واحد،
إثنان منهم في الشرق و إثنان في الغرب ، مختلفين في التركيب الأسري القادمين منه،
من نمط أرستقراطي مستبد في قرارته لشعبي متداخل بشكل يصعب علي فرد من عائلة إتخاذ
قرار يخصه بمفرده دون آخذ العائلة في الإعتبار، لشكل آخر متمرد قد يتحدى مجتمع
بأكمله.
في
شقة الحرية رغم أن الأبطال كان لهم صلة ببعض في بلدهم العربي قبل القدوم للقاهرة
لكن أوج التلاحم و المشاركة بدأ في القاهرة بإعتبارها حاضرة الثقافة و الرأي
السياسي . و للمرة الأولى تظهر إختلافاتهم جليّة على السطح و يكون الفارق واضح بين
صاحب التربية المتدينة المنغلقة على مذهبها و بين صاحب الأصول الرأس مالية المؤمن
بشرعية الطبقات و الثوري الذي يتبنى آراء متناقضة و المحايد.
التوقيت
في الروايتين توقيت مشتعل و مملوء بالنشاط الطلابي و الحدث السياسي، كتب نجيب
محفوظ روايته في حيز بدايةً من العشرينيات حيث بلاد تعاني من الإحتلال و ثورة و
حركات طلابية كبيرة مؤثرة كانت سمة هذا العصر و بسرد مسترسل حكاية أمة على مدار 70
عام تقريبا لا تتوقف لحظات عن الغليان.
و
غازي القصيبي كتب عن
نهاية الخمسينيات بداية الستينيات
التي كانت أيضًا فترة غليان و تعددية ثقافية و سياسية و حراك عام مشتعل.
حب
الوطن و همه في الروايتين له نصيب كبير من الفكرة و الحدث سواء كان مصر في قشتمر
أو حلم القومية العربية في شقة الحرية .
تعددت
قصص الحب و معانيها و تشكلت داخل هالة الفكرة الأساسية حيث لا إنفصال عن الواقع في
قصص الحب المقدمة، كلها تحمل تحديات لها علاقة بالمجتمع و تطرقت لإختلاف المذاهب
بين السنة و الشيعة و العوائق الحقيقية التي من الممكن أن تعيق قصة حب لا ينقصها
شيء ، فقط تنغصها نظرة مجتمع أو تشدد فريق ناحية المذهب و الدين.
و
مع كل التشابه أو التماس الذي شعرت به ناحية العملين لكنهم كانوا تجربتين مختلفتين
جدًا على مستوى التأثير و الصلة التي نشأت بيننا ، و لا سيما طريقة السرد و الحبكة
فهما حقا عالمين مختلفين رغم ربطي بينهم بعناصر كبرى.
تم
إنتاج عمل تلفزيوني عن رواية قشتمر بنفس الإسم 1993، بطولة محمود الجندي، مدحت
صالح، عبدالعزيز مخيون، وائل نور . و تم إخراجها للإذاعة كمسلسل إذاعي أيضاً.
و
شقة الحرية كذلك خرجت للتلفزيون كمسلسل بنفس الإسم إخراج مجدي أبو عميرة 1996، كان
له صدى في المجتمع الخليجي خاصةً و أن الرواية سبق و مُنع تداولها لوقت في
السعودية من قبل.