كتب: أحمد رضا نيفة

منذ الثورة على القذافي في عام 2011 و ليبيا في تشردم مستمر، لم تستعد وحدتها ابدا، ويرجع ذلك الى انهيار مؤسسات الدولة التي    كانت موجودة وقت القذافي والتي هي في الحقيقة لم تكن مؤسسات حقيقية وانما هياكل صنعها القذافي لحماية حكمه وحماية نفسه، وعبر السنوات الماضية فشلت كل المحاولات الداخلية والخارجية لاعادة اللُحمة للدولة الليبية  وبناء شكل او نموذج ديمقراطي حقيقي او حتى غير ديمقراطي لدولة مستقرة متماسكة ، والمصاعب عديدة والمعوقات والتحديات متنوعة، أوجزها فيما يلي:-

اولا- ليبيا هي دولة مستحدثة ظهرت في الحقيقة في القرن العشرين فقط،  وقبل ذلك لم تكن موجودة بهذا الشكل او هذا التوصيف، وحتى اسم ليبيا نفسه بدأ استخدامه فقط في القرن العشرين وأول من اخترع هذا الاسم هم الايطاليون الذين احتلوها عام 1911، و استخدموا لفظة رومانية قديمة هي “ليبو” كانوا يطلقوها على القبائل البدوية التي تسكن هذا الساحل الافريقي المواجه لايطاليا ،، فاطلقوا عليها.. ليبيا. 
طبعا شعب المنطقة نفسه موجود منذ القدم يسكن في هذه الارض، قبائل بتاريخها وحضارتها ، تحت حكم كيانات تاريخية عدة، آخرها  ولايات عثمانية مثل ولاية طرابلس بالحامية العثمانية او ولاية برقة العثمانية ايضا او قبائل فزان والصحراء و غيرها ما أريد قوله هو.. ان إرث الدولة الاصيل غير متحقق بشكل واضح في ليبيا، كذلك الشعب ذو الكتلة الواحدة وذو الوحدة العضوية المتماسكة ايضا ليس قويا في ليبيا، وهو أحد اهم عوائق وحدة و استقرار ليبيا. “الأمر يختلف عن تونس مثلا او مصر في ذلك”
 
التحدي الثاني- هو القبائل في ليبيا، فالشعب الليبي كله تقريبا ينتسب الى قبائل وهناك تفاوتات وصراعات النفوذ والحظوة لهذه القبائل… اهم هذه القبائل هي:-
الورفلة
القذاذفة
المقارحة
زناتة
ترهونة
الطوارق والامازيغ
 
التحدي الثالث- هو ضعف وربما إنعدام مؤسسات الدولة وغياب الحكم الرشيد، ويرجع ذلك كما اسلفت للقذافي الذي حكم بشكل فردي  محض لسنوات طويلة، دمر فيها المؤسسات واستبدالها بهياكل كرتونية تحت اصابع قبضة حكمه و اتباعه.. ونفس المقارنة مع جارتيه، مصر وتونس على يمينه ويساره.. تظهر هذا التباين وتظهر هذه المعضلة.
طبعا أهم مؤسسات اي دولة هو الجيش.. إن وجود جيش قوي وطني متماسك احترافي، طبعا يسهل مهمة استقرار وسلاسة الحكم ووحدة
الدولة، بالاضافه للمؤسسات الاخرى مثل الشرطة والقضاء والدبلوماسية، والنخبة والاحزاب وغيرهم.
 
رابعا- عدم وجود ثقافة شعبية سياسية أو ممارسة ديمقراطية بشكل عام لسنوات طويلة، جعل الشعب غير مهيئا او مؤهلا لتداول حكم مستقر و متسلسل.. ظهرت الانانية من الجميع بعد سقوط القذافي، فالكل يسعى للوثوب للواجهة و الحصول على قطعة من الكعكة! الأعيان والوجهاء اصبحوا سياسيين و مُنظّرين و نصبوا انفسهم زعماء للحصول على مكاسب وكل من له قناعة او حيثية، يريد أن يفرض قناعته وحيثيته على الجميع ولو بالقوة والسلاح أو بالتحالف مع الانس والجن.
فشلت الديمقراطية وفشلت تجارب الانتخابات والاقتراعات و التصويتات في تحقيق اهدافها، كما فشلت الترتيبات الداخلية و الخارجية والدولية … وقل كما تريد من مرادفات.. المباحثات و المحادثات و الاتفاقات و المؤتمرات و المفاوضات والتحالفات. . و المرادفات تطول..
كله فشل أمام حاجز الانانية وتغليب المصلحة الذاتية واحيانا الانغلاق الايديولوجي، والتدخلات الخارجية والاجندات الاقليمية و التبعيات للاخرين.. ليثبت للاسف للجميع ان القوة هي الحل الوحيد!.. لكن من الذي يستطيع تحقيق لمس الأكتاف؟
لا احد على الساحة.. ليستمر الوضع كما هو عليه في ليبيا منذ 2011 .. بلد منقسم مائع و عدة حكومات و وضع هش بلا إستقرار أمني، و ظروف معيشية سيئة وخدمات رديئة للمواطن، في بلد نفطي غني جدا بموارده.
 
الآن يتوق الكثير من ابناء الشعب الليبي حاليا الى عودة الخيار الملكي وهي الفترة التي استمرت قرب الثلاثين عاما منذ عام 1951 وحتى 1969 حين كانت ليبيا دولة ملكية دستورية فيدرالية موحدة ومستقرة وبها مؤسسات وطنيه حقيقة.. تحت حكم الملك إدريس السنوسي ..
كانت بدايات نهضة تنموية كبرى بعد اكتشاف النفط وفي ظل حكم مستقر ورشيد. 
اليونسكو في الستينات اعتبرت نظام التعليم الليبي وقتها واحدا من افضل نظم التعليم في العالم، مبشرا بازدهار و نهضة مستقبلية.. تبدل الحال بعد انقلاب القذافي وتأخرت ليبيا كثيرا في ظل حكمه الردئ.
ينظر الكثير من الليبيين الى الوريث الشرعي الحالي لحكم الملك ادريس السنوسي وهو الأمير ..محمد الرضا السنوسي.. والذي هو ابن ولي عهد ليبيا ويعيش في اوروبا في المنفى منذ عهد القذافي، الى انه ربما يكون الحل الوحيد المقبول لاستعادة وحدة و استقرار ليبيا في ظل نظام يمكن أن يقبله الجميع ويحقق الحد الادنى المقبول، بناء على الارث الملكي التاريخي للعائلة السنوسية وهي صاحبه تاريخ وطني كبير للاستقلال، ويرحب الكثير من القبائل و النخب الليبية بالفكرة وعلى رأسهم حكومة طرابلس المسيطرة عليها حاليا، والتي دعت الأمير.. محمد رضا السنوسي للعودة واستقباله وتأمينه في ليبيا، وحتى أطراف كثيرة من الاسلاميين في مصراتة وغيرها ترحب به، و طبعا أبناء الشرق وهي الحاضنة التاريخية للعائلة السنوسية في بني غازي وبرقة.
ويتصاعد بين الليبيين مشروع عمل استفتاء بعودة الملكية وتقرير الشعب الليبي لمصير مستقبله، ويؤكد المراقبون ان استطلاعات الرأي تؤكد نجاح هذا الخيار في أي استفتاء مُتوقع. لكن العوائق ايضا جمة و متعددة، وامراء الحرب في ليبيا لهم حسابات و أجندات اخرى! 
 
أنا اعتقد أن الرباعي العربي المتحكم في سريان السياسة العربية بالوقت الراهن، هذا الرباعي المكون من مصر والسعودية والامارات وقطر، يمكنه الوصول بهذا الخيار لشط الأمان إذا امتلك الارادة السياسية لتحقيقه واتخذ القرار.
 
لقد كان الأمير ذكيا عندما رفض العودة الآن في هذه هذه الظروف حتى لا يكون محسوبا على طرف بعينه وهو حكومة طرابلس ولا يجافى معه الاطراف الاخرى.. لكن هل يمكن ان يعود في ظروف افضل؟ 
 

By أحمد رضا

https://youtube.com/@user-pj7ly4ti4p?si=Gsd96x0vQWAtWA30 مهندس و مفكر سياسي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *