بي بي سي -
عندما وصل القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، إلى دمشق وألقى خطاب النصر، عقب العملية الخاطفة، التي اجتاحت البلاد، وأسقطت نظام الرئيس، بشار الأسد، لم ينتبه الناس إلى نقطة واحدة في كلامه. فقد أشار إلى أن مخدرا أغرق الشرق الأوسط في العشر سنوات الماضية.
وقال إن سوريا “أصبحت أكبر مصنع للكبتاغون في العالم، واليوم تتطهر سوريا بفضل الله عز وجل”.
والكبتاغون مخدر يسبب الإدمان يشبه الإمفيتامين. وهو غير معروف كثيرا خارج الشرق الأوسط. ويطلق عليه اسم “كوكايين الفقراء”.
وتوسع إنتاجه في سوريا في ظل انهيار الاقتصاد بسبب الحرب والعقوبات الدولية والنزوح الجماعي للسوريين إلى الخارج. ووجدت السلطات في البلدان المجاورة صعوبة في التعامل مع تهريب كميات هائلة من هذه الحبوب عبر حدودها.
وتشير كل الأدلة إلى أن سوريا هي مصدر تجارة الكبتاغون غير القانونية. وقيم البنك الدولي حجمها المالي بما يعادل 5.6 مليار دولار، سنويا.
وبالنظر إلى ضخامة الإنتاج والتوزيع، ساد الاعتقاد بأن العملية ليست من تدبير العصابات الإجرامية، وإنما هي صناعة يشرف عليها النظام نفسه.
وبعد أسابيع من خطاب الشرع، الذي كان يعرف سابقا باسم “أبو محمد الجولاني”، ظهرت صور مذهلة تؤكد صحة الاعتقادات السابقة.
وتظهر فيديوهات صورها سوريون في منازل يعتقد أنها لأقارب الأسد غرفا مليئة بالحبوب يجري تهيئتها وتوضيبها، مخبئة في منتجات صناعية.
وتظهر تسجيلات أخرى أكواما من الحبوب عثر عليها فيما يبدو أنها قاعدة جوية سورية أضرمت قوات المعارضة فيها النيران.
أمضيت عاما كاملا أحقق في تجارة الكبتاغون لفيلم وثائقي من إعداد الخدمة العالمية في بي بي سي. وشاهدت كيف أصبح هذا المخدر منتشرا بين الشباب الأثرياء في بلدان الخليج، مثل السعودية، وانتشر بين الطبقة العاملة في بلدان أخرى مثل الأردن.
وفي مصحة لعلاج الإدمان بالعاصمة الأردنية عمان، قال لنا المدمن ياسر: “كان عمري 19 عاما عندما بدأت أتعاطى كبتاغون، وبدأت حياتي تنهار، عندما بدأت أخالط من يتعاطون هذا الشيء. تعمل، وتعيش بلا غذاء، فيتدمر جسمك”.
فكيف سيتعامل أحمد الشرع والإدارة الجديدة مع العدد الكبير من الناس في سوريا والشرق الأوسط المدمنين على الكبتاغون، إذا وجدوا أنفسهم فجأة دون تموين؟
وعبرت كارولين روز الخبيرة في تهريب المخدرات السورية بمعهد نيولاينز، عن قلقها بهذا الشأن. “ما أخشاه هو أنهم سيركزون على قطع الإمدادات، دون السعي بالضرورة إلى تقليل الطلب”.
ولكن المسألة المطروحة على نطاق أوسع هي مدى تأثير فقدان هذه التجارة المربحة على الاقتصاد السوري. وعندما يتم القضاء على القائمين على هذه التجارة، كيف يستطيع الشرع منع مجرمين آخرين من أخذ مكانهم؟
حرب المخدرات في الشرق الأوسط
أدى انتشار الكبتاغون في الشرق الأوسط إلى اندلاع حرب مخدرات حقيقية.
فأثناء تصويرنا مع الجيش الأردني، على الحدود الصحراوية مع سوريا، شاهدنا كيف عزز الجنود حواجزهم. وحدثونا عن زملائهم الذين قتلوا في إطلاق نار مع المهربين. واتهموا الجنود السوريين بمساعدة المهربين.
وتسببت تجارة الكبتاغون في اضطرابات مماثلة في الدول المجاروة الأخرى.
فقد علقت السعودية لفترة من الزمن استيراد الفواكه والخضراوات من لبنان، لأن السلطات عثرت مرارا على المخدرات في حاويات السلع. فالمهربون يفرغون حبة الرمان من لبها ويضعون مكانه أكياس حبوب الكبتاغون.
صورنا في خمسة بلدان، بما فيها المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام وتلك التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة. واتصلنا بمصادر رفيعة المستوى، وحصلنا على وثائق سرية لقضايا من المحاكم في ألمانيا ولبنان.
وتمكنا بذلك من تحديد طرفين أساسيين لهما يد في هذه التجارة هما: عائلة الأسد الموسعة، والقوات المسلحة السورية، خاصة الفيلق الرابع، بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار الأسد.
تساؤلات حول شقيق الأسد
كان ماهر الأسد ربما أقوى رجل في سوريا، بعد شقيقه.
وتعرض لعقوبات في كثير من الدول الغربية بسبب العنف الذي سلطه على المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، خلال انتفاضة 2011، التي فجرت الحرب الأهلية الدامية. فقد أصدر القضاء الفرنسي مذكرة قبض ضده وضد شقيقه لاتهامهما بالمسؤولية عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا عام 2013.
وباطلاعنا على محادثة على تطبيق واتساب لتاجر كبتاغون مسجون في لبنان، تمكنا من تأكيد ضلوع الفيلق الرابع بقيادة ماهر الأسد، ومساعده غسان بلال في العمليات.
ويعد هذا الاكتشاف شوطا كبيرا في طريق إثبات دور القوات المسلحة السورية و أقرب المقربين من بشار الأسد في هذه التجارة.
وعندما شاهدت صور الجنود السوريين بمعنويات محطمة يهربون من مواقعهم دون قتال أمام تقدم قوات المعارضة، تذكرت حوارا أجريناه العام الماضي مع أحد جنود النظام.
قال لنا إن راتبه الشهري في الجيش يعادل 30 دولارا، ولا يكفي لإطعام عائلته لمدة 3 أيام، ولذلك انخرطت وحدته في الجريمة وفي تجارة الكبتاغون.
وقال “إن هذا هو ما يجلب أغلب المال الآن”.
وفي مايو/أيار 2013، وافقت جامعة الدول العربية على عودة سوريا بعد تعليق عضويتها لـ12 عاما بسبب قمعها العنيف للانتفاضة الشعبية. واعتبر ذلك انجازا دبلوماسيا للأسد. فقد أطلق وعوده بمكافحة تجارة الكبتاغون، لضمان عودته السياسية.
هل بإمكان قادة النظام الجديد مكافحة تجارة الكبتاغون؟
ويبدو أن قادة النظام السوري الجديد، وهم يحكمون سيطرتهم على مؤسسات الدولة، على وعي بالإشارات الإيجابية التي يبعثونها للدول المجاورة التي تشعر بالقلق، عندما يوعدون بمكافحة تجارة الكبتاغون.
ولكن ربما قد تستعصي عليهم مهمة تخليص البلاد من نشاط إجرامي مربح بعد كل هذه السنوات لتي كان فيها النشاط بتشجيع من الدولة نفسها.
كان عصام الريس مهندسا في الجيش برتبة لواء، قبل أن ينشق، في بداية الانتفاضة على نظام الأسد. وقضى وقتا طويلا يحقق في تجارة الكبتاغون. ويعتقد أن النظام الجديد سيكون بحاجة إلى فعل الكثير لوقف التجارة، “لأن الفاعلين الكبار غادروا البلاد”. وهناك أصلا تراجع كبير في صادرات الكبتاغون. ولكنه يحذر من أن تكون هناك “جماعة جديدة” مستعدة لأخذ مكانهم.
وتقول روز إن عدم معالجة قضية الطلب سيطرح إشكالا، والأدلة على استثمار هيئة تحرير الشام في مجال علاج الإدمان قليلة، فمنذ سيطرتها على محافظة إدلب، شمال غربي البلاد. “فمحاولاتهم للتعامل مع استهلاك الكبتاغون ضعيفة”.
وتقول أيضا إن هناك ارتفاعا في تعاطي مخدر آخر يجري تهريبه في سوريا.
“أعتقد أن الكثير من المتعاطين سيلجأون إلى كريستال ميث كبديل، خاصة الذين اعتادوا على الكبتاغون، ويحتاجون إلى شيء أقوى قليلا”.
والمشكل الآخر حسب الريس ذات طابع مالي. ويقول إن “السوريين بحاجة إلى الأموال”.
وأمله أن يساعد المجتمع الدولي في الحيلولة دون انخراط الناس في تجارة المخدرات، عن طريق المساعدات الإنسانية، وتخفيف العقوبات.
ولكن روز تقول إن الزعماء الجدد مطالبون بتحديد “طرق اقتصادية بديلة لتشجيع السوريين على الانخراط في الاقتصاد الرسمي القانوني”.
“فبينما غادر رؤوس العصابة، فإن الكثير من الذين كانوا يعملون في التصنيع والتهريب لا يزالون داخل البلاد”.
والعادات القديمة لا تموت بسهولة.