تُسابق القاهرة الزمنَ لإنجاز اتفاق «هدنة» في غزة بين تل أبيب وحركة «حماس» يتم خلالها تبادل المحتجزين من الجانبين، ما قد يفضي إلى «تأجيل» عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية، أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود المصرية.
وبينما يترقب الجميع رد حركة «حماس» على مقترح «الهدنة»، طالب الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء الاثنين، قادة مصر وقطر، بالضغط على «حماس»، للقبول بالاتفاق الذي تعدّه واشنطن «سخيّاً».
وغادرت حركة «حماس» القاهرة، مساء الاثنين، حسب قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، التي أشارت إلى أن «الوفد سيعود مجدداً برد مكتوب على اقتراح لوقف إطلاق النار في غزة». وقال مصدر في الحركة: «نحن معنيون بالرد بأسرع وقت ممكن»، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
كان وفدٌ من «حماس» أجرى مباحثات موسعة مع مسؤولين أمنيين مصريين، الاثنين، تناولت مقترحاً جديداً قدمته القاهرة، وناقشته مع مسؤولين إسرائيليين خلال زيارة قام بها وفد أمني مصري إلى تل أبيب الجمعة الماضي. ويقضي المقترح «بإطلاق سراح ما بين 20 إلى 40 محتجزاً إسرائيلياً، مقابل وقف إطلاق النار لمدة يوم أو أكثر قليلاً عن كل محتجز يطلق سراحه»، حسب ما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية.
وأكد مصدر مصري مطلع على سير المفاوضات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصعوبات بشأن اتفاق الهدنة تتضاءل، ولا توجد مشكلات كبيرة في تفصيلات المقترحات المصرية». وقال إن «الصعوبات الآن مرتبطة بإرادة الطرفين ورغبتهما في إنجاز الاتفاق وليس بطبيعة المقترحات».
ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي يسعى الوسطاء في مصر وقطر والولايات المتحدة لإنجاز هدنة في غزة، لكن جولات المفاوضات الماراثونية لم تسفر عن اتفاق بسبب تمسك إسرائيل و«حماس» بمطالبهما.
لكن يبدو أن «الأمور تسير بشكل أكثر إيجابية»، هذه المرة، حيث نقلت «وكالة أنباء العالم العربي» عن مصدر مطلع على المفاوضات، الاثنين، أن «الاتفاق بات وشيكاً، وقد يتم التوصل إليه خلال بضعة أيام إذا تم الانتهاء سريعاً من بعض الإشكاليات التي تعيق التنفيذ».
وأضاف: «المقترح المصري يحظى بقبول لدى الطرفين، إلا أن الإشكالية تتعلق بعدد المحتجزين لدى حركة (حماس) من الفئة العمرية والطبيعة الوظيفية المطلوب الإفراج عنهم ضمن المقترح».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين، قولهم، الاثنين، إن «فريق التفاوض الإسرائيلي خفض عدد المحتجزين المفترض إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من الصفقة إلى 33 بدلاً من 40»، وعدت الصحيفة ذلك «بارقة أمل قد تقرب الوصول إلى اتفاق».
وأعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، في الرياض، عن «أمله» في الحصول على ردّ «إيجابي» من «حماس»، على اقتراح وصفه بأنه «سخي جداً».
بدوره، طلب الرئيس الأميركي، جو بايدن، من قادة قطر ومصر «بذل كلّ ما في وسعهم» لتأمين إطلاق سراح عدد من المحتجزين، عاداً خلال اتصالين هاتفيين مع قادة البلدين، مساء الاثنين، أنّ «هذه هي العقبة الوحيدة أمام وقف فوري لإطلاق النار»، حسب بيان للبيت الأبيض.
وقال البيت الأبيض إن بايدن أكد أن الولايات المتحدة ستعمل مع مصر وقطر على ضمان التنفيذ الكامل لشروط الاتفاق المقترح بشأن غزة.
وأوضحت الرئاسة المصرية أن المباحثات الهاتفية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي، «تناولت آخر التطورات بخصوص المفاوضات الجارية والجهود المصرية للتوصل إلى تهدئة في قطاع غزة ووقف لإطلاق النار وتبادل الرهائن».
وأضافت الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، أن «الرئيسين شددا خلال الاتصال على خطورة التصعيد العسكري في مدينة رفح الفلسطينية، لما سيضيفه من أبعاد كارثية للأزمة الإنسانية المتفاقمة بالقطاع، فضلاً عن تأثيراته على أمن واستقرار المنطقة».
في حين قال الديوان الأميري إن مباحثات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع بايدن، «تطرقت إلى تطورات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وجهود البلدين من أجل التوصل لاتفاق وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة».
ترقب الساعات الـ48
بدوره، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، أن «الجميع يترقب ما ستسفر عنه الساعات الـ48 المقبلة، والرد الذي سيرسله القيادي في حركة (حماس)، يحيى السنوار، بشأن مقترح (الهدنة)». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «السنوار يدرك تماماً أن المحتجزين هم ورقة الضغط الوحيدة لديه، وإذا لم يحسن استخدامها سيقضى عليه وعلى حركة (حماس)».
وأضاف أن «الوسطاء في مصر والولايات المتحدة وقطر يسعون لإيجاد رابط بين اتفاق هدنة مرحلية، وبين اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، أملاً في أن تسفر مرحلة الهدنة عن مناقشة الفترة التالية لها».
ولفت هريدي إلى أنه «بينما تقترح إسرائيل هدنةً مؤقتةً لمدة عام، تريد الدول العربية اتفاقاً يفضي إلى التحرك لإقامة الدولة الفلسطينية، لكن من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كان يمكن التحرك نحو إقامة الدولة خلال فترة الهدنة».
ومنذ بداية الحرب، تمّ التوصل إلى هدنة لمدة أسبوع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) سمحت بالإفراج عن حوالى 80 محتجزاً لدى «حماس» مقابل 240 أسيراً فلسطينياً لدى إسرائيل.
وتزامناً مع المفاوضات لا تزال إسرائيل تهدد باجتياح مدينة رفح، رغم التحذيرات الدولية والإقليمية، ونقل موقع «واي نت» الإسرائيلي، الثلاثاء، عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قوله إن «عملية إجلاء المدنيين من رفح في جنوب قطاع غزة قد بدأت، تمهيداً لشن هجوم بري على المدينة».
وأكد نتنياهو، في تصريحات خلال اجتماعه مع عدد من عائلات المحتجزين، نشرتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن «الجيش الإسرائيلي عازمٌ على دخول رفح، سواء تم التوصل إلى اتفاق مع (حماس) أم لا». وشدد على أن إنهاء الحرب قبل تحقيق جميع أهداف إسرائيل «غير مقبول».
وأوضح المصدر المصري المطلع على سير المفاوضات لـ«الشرق الأوسط»، أن «إسرائيل تخشى انهيار الحكومة حال تمت الهدنة، لذلك يسعى اليمين المتطرف لإقناع شركائه بأن عملية رفح قادمة لا محالة، وأنه لا وقف دائم لإطلاق النار».
في المقابل، «تريد حركة (حماس) تحقيق نوع من الانتصار»، حسب المصدر الذي أشار إلى أن «حركة (حماس) ترغب في الحصول على ضمانات بوقف مستدام للقتال، لا سيما مع إدراكها أن نتنياهو يعتزم استئناف القتال بعد الهدنة».