كتب: جودة فرج
في صباح يوم
الجمعة الموافق 25 فبراير 1994، وقبل واحد وثلاثين عامًا، شهد المسجد الإبراهيمي
في مدينة الخليل بالضفة الغربية واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث، والتي
راح ضحيتها عشرات المصلين الفلسطينيين أثناء أدائهم صلاة الفجر في شهر رمضان
المبارك. هذه المجزرة، التي ارتكبها مستوطن يهودي متطرف يدعى باروخ غولدشتاين، لم
تكن مجرد حادثة عنف عابرة، بل كانت نقطة تحول في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي،
وأصبحت جرحًا نازفًا في ذاكرة الأمة العربية والإسلامية.
##
الخليل: مدينة التاريخ والصراع
تعتبر مدينة
الخليل واحدة من أقدم المدن في العالم، وتُعد من المدن المقدسة لدى المسلمين
واليهود والمسيحيين. المسجد الإبراهيمي، الذي يُعرف أيضًا باسم “الحرم
الإبراهيمي”، هو من أقدس المواقع الإسلامية، حيث يُعتقد أن النبي إبراهيم
(عليه السلام) وأسرته دُفنوا فيه. هذا الموقع الديني التاريخي كان دائمًا محط
أنظار العالم، لكنه أيضًا كان مسرحًا للصراع بين الفلسطينيين والمستوطنين
الإسرائيليين الذين يسعون لتهويد المدينة.
##
المجزرة: تفاصيل يوم أسود
في ذلك اليوم
المشؤوم، دخل باروخ غولدشتاين، الطبيب والمستوطن الإسرائيلي المتطرف، المسجد
الإبراهيمي أثناء أداء المصلين لصلاة الفجر في شهر رمضان. كان غولدشتاين يرتدي
الزي العسكري الإسرائيلي، مما سمح له بدخول المسجد دون أن يثير الشكوك. بمجرد
دخوله، فتح النار بشكل عشوائي على المصلين العزل، مستخدمًا رشاشًا آليًا، مما أدى
إلى مقتل 29 مصليًا على الفور وإصابة العشرات بجروح خطيرة. لقد استمر القتل لعدة
دقائق قبل أن يتمكن المصلون من التصدي له وقتله.
لكن المجزرة لم
تنتهِ بقتل غولدشتاين. ففي أعقاب الهجوم، فرضت القوات الإسرائيلية حظر تجول على
مدينة الخليل، مما أعاق وصول الإسعافات الطبية إلى الجرحى، مما أدى إلى وفاة المزيد
من الضحايا. كما شهدت المدينة موجة من القمع والعنف من قبل القوات الإسرائيلية،
مما زاد من حجم المأساة.
##
ردود الفعل الدولية والمحلية
أثارت المجزرة
صدمة وغضبًا واسعًا في العالم العربي والإسلامي، حيث اعتُبرت هجومًا ليس فقط على
الفلسطينيين، بل على المقدسات الإسلامية أيضًا. اندلعت مظاهرات غاضبة في العديد من
الدول العربية والإسلامية، مطالبة بمحاسبة إسرائيل على هذه الجريمة.
على الصعيد
الدولي، أدانت الأمم المتحدة المجزرة، وطالبت بإجراء تحقيق مستقل. ومع ذلك، لم
تتخذ إسرائيل أي إجراءات حاسمة ضد المستوطنين المتطرفين، بل إن بعض الأوساط
الإسرائيلية المتطرفة حاولت تبرير فعلة غولدشتاين، بل واعتبرته “بطلًا”
في نظر بعض الجماعات اليمينية المتشددة.
في فلسطين، كانت
المجزرة بمثابة صفعة قاسية للشعب الفلسطيني، الذي كان يعاني بالفعل من الاحتلال
والقمع اليومي. لقد عمقت المجزرة من الشعور بالظلم والغضب، وأصبحت نقطة تحول في
الصراع، حيث زادت من حدة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.
##
إرث المجزرة: جرحٌ لم يندمل
واحد وثلاثون
عامًا مرت على مجزرة المسجد الإبراهيمي، لكن الجرح ما زال نازفًا في ذاكرة
الفلسطينيين والعالم العربي. لقد أصبحت هذه المجزرة احد اهم رموز العنف الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني تحت
الاحتلال الإسرائيلي، كما أنها تذكير دائم بخطورة التطرف والعنف الديني.
المسجد
الإبراهيمي، الذي كان دائمًا مكانًا للعبادة والسلام، تحول بعد المجزرة إلى موقع
للصراع والانقسام. حيث قامت إسرائيل بتقسيم المسجد إلى قسمين: جزء للمسلمين وآخر
لليهود، مما زاد من توتر الأوضاع في المدينة.
##
الخليل اليوم: مدينة تحت الحصار
اليوم، ما زالت
مدينة الخليل تعاني من آثار المجزرة. المدينة مقسمة بين مناطق يسيطر عليها
الفلسطينيون ومناطق يسيطر عليها المستوطنون الإسرائيليون، الذين يتمتعون بحماية
القوات الإسرائيلية. يعيش سكان الخليل تحت وطأة القيود المشددة، حيث يتم فرض نقاط
تفتيش وحظر تجول بشكل متكرر، مما يعيق حياتهم اليومية ويزيد من معاناتهم.
##
الخاتمة: ذكرى تبقى حية
واحد وثلاثون
عامًا على مجزرة المسجد الإبراهيمي، تبقى الذكرى حية في قلوب الفلسطينيين والعرب.
هذه المجزرة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي تذكير دائم بضرورة تحقيق العدالة والسلام
في المنطقة. في وقت تستمر فيه معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، تبقى ذكرى
شهداء المسجد الإبراهيمي حافزًا للمطالبة بالحرية والكرامة.
لن تُنسى أبدًا أرواح الذين سقطوا في ذلك اليوم المشؤوم، وسيظل المسجد الإبراهيمي شاهدًا على جرائم الاحتلال وتضحيات الشعب الفلسطيني. في ذكرى المجزرة، نحيي شهداء الخليل، ونؤكد على أن العدالة ستتحقق يومًا ما، وأن الحرية ستأتي لكل