جريدة الأخبار
كشفت صحيفة واشنطن بوست، اليوم الأحد، إن إسرائيل تبني مواقع وقواعد عسكرية جنوبي سورية، ما يشير إلى وجود طويل الأمد، رغم المزاعم الإسرائيلية بأن توغلاتها في مناطق جنوبي سورية يأتي بهدف تأمين المنطقة بعد إسقاط نظام بشار الأسد، وأن وجودها في بعض النقاط مؤقت.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن صوراً للأقمار الاصطناعية تظهر وجود أكثر من ستة منشآت ومركبات في قاعدة إسرائيلية محاطة بالأسوار في جباتا الخشب في القنيطرة، مع بناء مشابه تقريباً على بعد خمسة أميال، وكلاهما يرتبط بطرق ترابية جديدة تمتد إلى مناطق في مرتفعات الجولان، إضافة إلى قاعدة ثالثة قيد الإنشاء على بعد بضعة أميال أخرى إلى الجنوب. وأشارت الصحيفة إلى أنه بحسب الصور، فإن الأبنية الجديدة التي تبنيها إسرائيل تشير إلى وجود ممتد، لافتة إلى أن ذلك جاء بعد أن اخترقت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة في سورية وتقدمت فيها أميالا عدة.
وبعد ساعات من إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسعت إسرائيل رقعة احتلالها لمرتفعات هضبة الجولان باحتلال المنطقة السورية العازلة في جبل الشيخ. كما أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سورية لعام 1974، وانتشار جيشها بالمنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان التي تحتل معظم مساحتها منذ عام 1967.
وما زالت محافظة القنيطرة والحدود الإدارية لمحافظة درعا المجاورة تشهد توغلات إسرائيلية شبه يومية مع تحليق للطيران الحربي. وكانت طائرات مسيّرة قد استهدفت، أول من أمس، موقعاً عسكرياً لقوات النظام السابق داخل بلدة السويسة الواقعة في الريف الجنوبي لمحافظة القنيطرة، وأدت العملية إلى تدمير عدد من ناقلات الجند التي كانت متروكة منذ انسحاب قوات النظام قبل حوالي شهرين.
وأكد مصدر من أهالي البلدة، لـ”العربي الجديد”، أن الضربات أدت إلى تخريب كامل المكان، وترهيب الأهالي بسبب وجوده القريب من المنازل، مشيراً إلى أن “قوات الاحتلال الاسرائيلي تقوم بضربات تمهيدية قبل كل توغل برّي، بحيث تهيئ المكان المقصود من أجل تثبيت قواعد عسكرية ونقاط مراقبة متقدمة داخل المنطقة العازلة، والاسوأ من ذلك هو أعمال التخريب التي تتقصدها للأراضي والطرقات والأحراش الزراعية، ما يزيد من حصار الأهالي ويدفعهم للبحث عن أماكن آمنة والهجرة”.
وأضاف: “في المقابل، لا نجد، نحن سكان المنطقة، أي مواقف رسمية رافضة لهذا العدوان المستمر، أو عمل على الأرض يساهم في ثبات الأهالي، بل على العكس، هناك إهمال واضح من القيادة الجديدة، وخاصة في عمل المؤسسات الخدمية والأمنية، فقد نُقلت مديرية المصالح العقارية إلى دمشق والمكتب الصحافي إلى درعا، ولم تُفعّل مديرية الهجرة والجوازات، والواقع الصحي في أسوأ احواله، إضافة إلى تضرر شبكات المياه والهاتف في كل توغل إسرائيلي”.
وتنقل صحيفة واشنطن بوست عن محلل صور الأقمار الاصطناعية في مناطق الصراع وليام غودهايند قوله إن موقعي البناء الجديدين كانا حتى وقت قريب أراضي خاضعة لسيطرة سورية، وهما الآن أقرب لقاعدتين للمراقبة الأمامية، مشيراً إلى أنهما متشابهتان في البنية والأسلوب مع تلك الموجودة في الجزء الذي تحتله إسرائيل في الجولان.
وأضاف: “القاعدة في جباتا الخشب أكثر تطوراً، في حين يبدو أن القاعدة الواقعة إلى الجنوب قيد الإنشاء”. وتابع: “الأولى ستوفر رؤية أفضل للقوات، في حين تتمتع الأخيرة بإمكانية وصول أفضل إلى شبكة الطرق في المنطقة، كما هو الحال بالنسبة للقاعدة الثالثة في حال جرى بناؤها على منطقة الأراضي المُطهرة في أقصى جنوب البلاد”.
إضافة إلى القواعد الثلاث، تظهر صور الأقمار الاصطناعية التي فحصتها الصحيفة طريقًا جديدًا على بعد حوالي عشرة أميال جنوب مدينة القنيطرة، يمتد من خط الحدود إلى قمة تل بالقرب من قرية كودنة بالريف الجنوبي لمحافظة القنيطرة، ما يوفر للقوات الإسرائيلية نقطة مراقبة جديدة.
قلق السكان من احتلال طويل
من جانبه، يقول رئيس بلدية جباتا الخشب محمد مريود لـ”واشنطن بوست” إن الجرافات الإسرائيلية قامت بتدمير أشجار الفاكهة وأشجار أخرى محمية من أجل بناء موقع استيطاني قرب القرية. وأضاف: “عندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى القرية، طالبت السكان بتسليم الأسلحة التي تركتها قوات النظام المخلوع، ووافق السكان على تسليم الأسلحة لتجنب الغارات الإسرائيلية”، قبل أن تعود لاحقا مرتين وتطالب بتسليم ما تبقى من الأسلحة. في حين قالت بدور حسن، 55 عامًا، وهي تقطف أوراق الشاي على بعد بضع عشرات من الأمتار من حاجز طريق إسرائيلي: “لا أحد يعرف ماذا يفعلون. لا أحد يجرؤ على السؤال”.
وحول تبادل إطلاق النار بين مواطنين من قرية طرنجة في القنيطرة مع دورية إسرائيلية أمس السبت، بعد أن تداولت وسائل إعلام عربية واسرائيلية خبرًا حول إعلان مجموعة أطلقت على نفسها “المقاومة الإسلامية في سورية” المسؤولية، نفى الناشط سعيد المحمد لـ”العربي الجديد” صحة الخبر، مشيراً إلى أن “ما يشاع يأتي في سياق إعطاء الذريعة لإسرائيل بالبقاء في المنطقة”، لافتاً إلى أن “المجموعة المذكورة أسست في المنطقة الجنوبية قبل أشهر من سقوط النظام عن طريق أحد مسؤولي الحزب السوري القومي التابع مباشرة لعلي حيدر، والتابع للأمن العسكري في السويداء حينها، وحاولوا تصدير الفكرة إلى القنيطرة عبر شخص مسؤول في الحزب القومي من السويداء، إلا أنه لم يفلح في جر شبان المحافظة إلى الفخ، كونه أحد المعروفين في الجنوب بتعاملاته المثيرة للشكوك”.
ويزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قواته تعمل داخل المنطقة العازلة جنوبي سورية وفي مناطق استراتيجية أخرى، لحماية الإسرائيليين في مناطق الشمال، في حين قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في وقت سابق، إن وجود القوات الإسرائيلية جنوبي سورية غير محدد الأجل، مبررًا ذلك بمخاوف أمنية.
والأسبوع الماضي، قال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن القوات الإسرائيلية التي سيطرت على مواقع استراتيجية في جنوب سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد ستبقى على جبل الشيخ لأجل غير مسمى. ونوه كاتس بعد زيارته القوات المتمركزة هناك إلى أن “إسرائيل لن تسمح لما وصفها بالقوات المعادية بترسيخ وجودها في جنوب سورية”.
يأتي ذلك فيما طالبت الإدارة السورية الجديدة، الأربعاء الماضي، إسرائيل بسحب قواتها من الأراضي التي توغلت فيها جنوبي البلاد. وأكد وزير الخارجية أسعد الشيباني، خلال لقاء وفد أممي، “استعداد سورية للتعاون الكامل مع الأمم المتحدة وتغطية مواقعها على الحدود جنوبي البلاد حسب تفويض عام 1974، بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية فورا”.