معبر رفح من الجانب الفلسطيني، 24 نوفمبر 2023 (سعيد الخطيب/فرانس برس)

العربي الجديد

أعيد تشغيل معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، مع تولي أطراف عدة بالتعاون مع موظفين تابعين للسلطة الفلسطينية إدارته، وذلك خلافًا لـتصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التي نفى فيها مشاركة السلطة الفلسطينية. ووفقاً لموقع “واينت”، فإنه بين موظفي السلطة مسؤولون كبار في حركة “فتح”، يديرون المعبر بالتعاون مع قوّة أوروبية خاصة، بالإضافة إلى مسؤولي أمن مصريين يُساعدون في توفير الحماية الأمنية، في حين ينحصر دور إسرائيل بالمصادقة على أسماء الخارجين من المعبر.

أمّا بالنسبة للقوة الفلسطينية العاملة في المعبر فتضم تسعة عناصر شرطة، بينهم شرطيتين، وجميعهم عملوا في المعبر نيابة عن السلطة في المعابر الحدودية للقطاع عندما كانت تتولى المسؤولية عنها، قبل أن يعودوا لوظيفتهم مجدداً، بحسب الموقع الذي أوضح أن “حساسية المسألة من الناحية السياسية بالنسبة لإسرائيل واضحة للجميع، وهو ما دفع رئيس السلطة، محمود عباس، للتشديد على موظفيه بعدم الظهور في مقابلات إعلامية”.

يأتي ذلك بعد أسابيع طويلة خاض خلالها مسؤولون في السلطة، بالتعاون مع المخابرات المصرية، محادثات مكثفة في القاهرة مع مسؤولين عسكريين إسرائيليين، وموظفي الإدارة المدنية (الإسرائيلية)، ومنسق عمليات الحكومة وجهاز الشاباك؛ بهدف تحضير الأرضية لإعادة فتح المعبر.

وبدأت السلطة الفلسطينية بالتجهز لإدارة المعبر خلال الشهر الأخير، إذ حضر المدير العام للإدارة العامة للمعابر والحدود، نظمي مهنا، ونائب مدير وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية، أيمن قنديل، لقاءات مكثّفة مع مسؤولين أمنيين مصريين بخصوص إدارة المعبر وإعادة فتحه.

وفي هذا الإطار، صرّح مستشار الرئيس الفلسطيني، محمد الهباش، في وقتٍ سابق، أن “معبر رفح سيُدار بناء على اتفاق 2005″، في إشارة إلى “اتفاقية المعابر” التي وقعت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 2005 وحددت بتولي الأخيرة إدارة معبر رفح، بالتعاون مع مصر، وبراقبة تتولاها قوة تابعة للاتحاد الأوروبي.

العصا الإسرائيلية في دواليب الصفقة

حساسية تشغيل معبر رفح بالتعاون مع السلطة الفلسطينية “مضاعفة بالنسبة لإسرائيل”، وهي نابعة من حسابات سياسية – داخلية. وكان ما سبق أحد الأسباب الداخلية الائتلافية التي عرقلت بسببها الحكومة الاسرائيلية، ورئيسها، مفاوضات الصفقة أكثر من مرة على مدى نصف سنة كاملة. السبب الأول لما سبق يعود إلى أن الجيش الإسرائيلي ومسؤولي الأمن ادعوا على مدى العام الماضي أنه لا يمكن تحقيق نصر عسكري لا يتضمن حكماً إسرائيلياً على قطاع غزة، دون خلق بديل لحماس؛ وكان الإجماع المهني أنه ينبغي حل مسألة “اليوم التالي” في المفاوضات، إذ لا يكفي الترويج لحل في قطاع غزة لإزالة حكم حماس، وإنما ينبغي أن يشمل الحل السلطة الفلسطينية، مع مد الأخيرة بموارد مالية وبشرية دولية.

نتنياهو من جانبه، سواء كان ذلك موقفه الخاص أو النابع من خشيته على مستقبله ومستقبل ائتلافه شدد على أنه لن يسمح للسلطة الفلسطينية بأي موطئ قدم، وبالتالي أحبط المناقشات حول “اليوم التالي”. أمّا السبب الثاني، فهو أن معبر رفح أساساً شكل أحد العراقيل التي أضافها نتنياهو إلى مطالب إسرائيل في الصفقة بعد أن اقترب الطرفان كثيراً من الاتفاق، فقد طالب بالسيطرة عليه. وكما صرح في وقت سابق “لقد كنت أنا ووزير آخر (وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر) الوحيدين في كابينت الحرب الذين منعوا السلطة الفلسطينية من السيطرة على معبر رفح”. 

وفي وقت لاحق عقب مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة في قصف إسرائيلي على تل السلطان، قال: “لن نسمح للسلطة بالسيطرة على معبر رفح. إننا نعمل على إحباط أي محاولة لسيطرتها”، ولتوضيح أسبابه في ذلك الحين، وصف نتنياهو معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفي) بـ”خط أنابيب الأكسجين لحماس”، معتبراً أنهما “يشكلان تهديداً خطيراً لإسرائيل”. وأعلن في المحصلة أن إسرائيل لن تنسحب منهما.

في الواقع، لم يكن معبر رفح محط اهتمام نتنياهو حتى قدّمه بصفته عقبة أمام الصفقة. وفي صباح الثالث من يوليو/تموز الماضي، قدّرت مصادر استخبارية أن حماس ستقدّم ردّاً إيجابياً نسبياً. وبحلول المساء من ذلك اليوم، كان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يعرف بالفعل، إذ قال “لن أفاجأ إذا استجاب السنوار (يحيى، رئيس حركة حماس السابق) فجأة، بعد أشهر من الرفض، بشكل إيجابي للعرض الذي تلقاه للتوصل إلى صفقة”. وكان هدف سموترتش القول إنه يجب بذل كل الجهود لمنع تلك الصفقة، التي كانت إسرائيل هي التي اقترحتها.

وللتذكير، في اليوم التالي لما سبق، قدّم رئيس حركة حماس سابقاً يحيى السنوار، موافقة الحركة والتي هدأت فريق التفاوض، الذي ظن بالفعل أنّ ثمة فرصة لتحقيق انفراجة. وفجأة في 11 يوليو/تموز، ألقى نتنياهو خطاباً في ختام دورة عسكرية للضباط، بعد تسعة أشهر من اندلاع الحرب، وذكر لأول أن إسرائيل لن تتنازل عن معبر رفح “شرطاً لضمان عدم حدوث أي خرق”. وقال في حينه إن “إسرائيل لن تسمح بتهريب الأسلحة إلى حماس من مصر. وأولاً وقبل كل شيء سيكون ذلك من خلال السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفي (صلاح الدين) ومعبر رفح”. مرت ستة أشهر، وخلال هذه الفترة قُتل العديد من المحتجزين والجنود، وتم التوصل إلى اتفاق، تراجع فيه نتنياهو عن كل الشروط تقريباً التي عرقلت التوصل للاتفاق ذاته سابقاً.

وفي 22 يناير/كانون الأول الماضي، ذكرت تقارير عدّة أنه تم الاتفاق على آلية السيطرة على معبر رفح ـ الذي سيطرت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي في مايو/أيار من العام الماضي. وبموجب الاتفاق تدير السلطة الفلسطينية، تحت إشراف دولي ومراقبة من الأمم المتحدة، المعبر، إلا أن مكتب نتنياهو نفى ذلك جملة وتفصيلاً.

البيان الذي أصدره مكتب نتنياهو في ذلك الوقت جاء فيه ما يلي: “الترتيبات في المرحلة الأولى من الصفقة تقضي ببقاء قوات الجيش الإسرائيلي في محيط المعبر وفرض رقابة صارمة من جانب جهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش على حركة الدخول والخروج”. وأضاف “الإدارة التقنية للمعبر تُسيّر من خلال موظفين غزيين ليس لهم علاقة بحماس، وكانوا يديرون مسائل مدنية في القطاع مثل الماء والكهرباء منذ بداية الحرب”، أمّا الرقابة على عملهم فـ”تجريها قوات دولية EUBAM”. وشدد البيان على أن “الضلوع الوحيد للسلطة الفلسطينية هو ختمها الرسمي على جوازات السفر والذي لا يتسنى عبور الفلسطينيين إلى دول أخرى من دونه وفق الاتفاقات الدولية”.

بهذه الصياغة “الذكية” كما عدّها “واينت” تنصل مكتب نتنياهو بحيث لم يتطرق للنقطة الأساسية. وهي النقطة التي لا تزال الحكومة الإسرائيلية، بحسب الموقع، تخفيها عن الجمهور؛ إذ إنه في القرار الحكومي المُعلن، لم يُذكر معبر رفح، كما أُخفيت التفاصيل التي تُحرج نتنياهو والحكومة، وأبقيت في الملاحق السرية المحفوظة في أدراج سكرتارية الحكومة.

الحكومة الإسرائيلية تواصل التعتيم

مراجعة الاتفاقيات التي أخفتها الحكومة عن الجمهور الإسرائيلي تكشف أن الملحق الخاص بالاتفاق الرئيس ينص في المادة الخامسة على أن “معبر رفح سيكون جاهزاً لنقل المدنيين والجرحى بعد إطلاق سراح جميع النساء (المدنيات والجنديات). وستعمل إسرائيل على إعداد المعبر في أقرب وقت ممكن بعد توقيع الاتفاق”. وينص الاتفاق صراحة على أن “القوات الإسرائيلية ستعيد انتشارها في محيط معبر رفح وفقاً للخرائط المرفقة فقط”. ما يعني أن قوات الجيش الإسرائيلي لن تكون موجودة في المعبر نفسه.

بالإضافة إلى ما سبق ذكرت الملاحق أنه “سيُسمح بمرور 50 مقاتلاً جريحاً يومياً برفقة ثلاثة أشخاص، على أن يتطلب كل عبور تصريحاً إسرائيلياً ومصرياً”. ولأن الحكومة لم ترغب في كشف كل شيء ذكرت في إعلانها أن “الانتقال سيُنفّذ وفقاً للمناقشات التي جرت مع مصر في أغسطس/آب 2024”.

في العموم، يعمل المعبر هذه الأيام في اتجاه واحد فقط: من غزة إلى مصر، وليس العكس. وبالنسبة لإسرائيل فإن مقاتلي حماس الجرحى يخرجون، وعلى الأقل لن يعودوا الآن خصوصاً في ظل ضبابية الاتفاق. وفي هذا الخصوص تقول إسرائيل إنه ينبغي مناقشة هذه المسألة في إطار المرحلة الثانية من الصفقة. وحتى الآن من غير الواضح كيف ستتعامل الدول الوسيطة، وما إذا كانت ستطالب بفتح المعبر للدخول.

معبر رفح، كما هو معروف، دُمر وحرق خلال الحرب التي شنتها إسرائيل، عندما سيطرت عليه في مايو/أيار الماضي. ولذلك فإن مرافقه غير صالحة للاستخدام، الأمر الذي اضطر الوسطاء برفقة موظفي السلطة الفلسطينية إلى إحضار عدة منشآت مؤقتة إلى الموقع من أجل إجراء الفحوصات والإجراءات اللازمة للخروج من غزة. كل ما تقدم، تخفيه الحكومة الإسرائيلية حالياً عن جمهورها لأسباب سياسية، وفق الموقع، وعلى هذا الأساس يُثار السؤال “إلى متى سيستمر الاتفاق، وما إذا كانت الأطراف ستتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الثانية”.

استئناف الحرب… والصدام مع ترامب

كل ما تقدم، فضلاً عن المعوّقات الكثيرة التي تعترض الصفقة، يعزز التشكيك بإتمام الأخيرة، وهي أجواء تتناقلها الأوساط الإسرائيلية منذ الأسبوع الماضي. وعلى ما سبق، يعلّق مسؤول إسرائيلي كبير أنه “في الواقع، لا شيء يسير على ما يُرام”. ويضيف في مقابلة مع “واينت” أنه “لإبرام الصفقة السعودية، التي ستشمل أيضاً حلاً دولياً لغزة وستسمح لنتنياهو بالمخاطرة بحل الحكومة، سيستغرق الأمر ليس أقل من أربعة أشهر”. وبحسبه، فإنه “من أجل التوقيع على صفقة ثانية في المدى القريب، سيتعين على نتنياهو المخاطرة واتخاذ قرار بشأنها دون كل (المزايا) الموجودة في الصفقة السعودية. وعندئذن سيقول لترامب إن هذا مخاطرة كبيرة. ولذلك قد تتفجر الصفقة”.

وعلى صلة، نقلت صحيفة “هآرتس” عن مصدر بحاشية نتنياهو، في زيارته الحالية إلى واشنطن، قوله إنه “في مركز لقائه مع ترامب، غداً الثلاثاء، سيحاول نتنياهو الحصول على دعم أميركي كامل في تحقيق أحد أهداف الحرب على غزة، وهو القضاء على حماس”. وطبقاً لما أوردته الصحيفة فإن المصدر رفض تأكيد ما إذا كانت إسرائيل ستطبق المرحلة الثانية من الاتفاق بينها وبين حماس، كما لم يُشر إلى وجود خطة إسرائيلية واضحة لإنهاء حكم حماس في قطاع غزة.

من جهة أخرى، نقلت الصحيفة عن مصادر تقديرها أن تتبع الإدارة الأميركية الجديدة أسلوباً مغايراً في المفاوضات بهدف إنجاحها. وبحسب هذه المصادر فإن ترامب يعتزم أن يؤدي دوراً رئيساً في بلورة الاتفاق بين الجانبين. وهو ما يعني أن موقفه من مطلب نتنياهو بشأن القضاء على حماس سيؤثر بشدة في قدرة إسرائيل على تحقيق ذلك.

وطبقاً للصحيفة فإن الإدارة الاميركية، ألمحت إلى أنها “ليست معنية بأي شكل في استئناف الحرب”، ما قد يُشكل صداماً محتملاً بين نتيناهو وترامب. وتعليقاً على تأخر التقدم نحو المرحلة الثانية، لفت مصدر إسرائيلي مطلع على ذلك إلى أن نتنياهو لم يعيّن وزير الشؤون الاستراتيجية ومستشاره المقرب، رون ديرمر، عبثاً، مسؤولاً عن الجانب السياسي في الاتفاق، مقابل المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، والسبب أن ذلك “سيسهل على نتنياهو إحباط المرحلة الثانية من الاتفاق”.

وبحسب المصدر ذاته، فإن “تعيين ديرمر يبعث على القلق لأن نتنياهو يعتمد عليه في المهمات الخاصة”. وهو الذي أوضح في الماضي أنه “ليس معنياً بإنهاء الحرب وليس معنياً بالمرحلة الثانية من الصفقة، فائتلافه سيتفكك إذا تمت المصادقة على خطوة كهذه”. وفي هذا الجانب، “ديرمر سيساعده في إحباط هذه الخطوة. فلا يتعين على إسرائيل أن تقود بنفسها نحو انهيار الاتفاق، وإنما وضع شروط تدفع حماس إلى تفجيرها”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *