كتب: جودة فرج
في هذا المقال، نستعرض دور غزة كرمز للمقاومة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يتم تحليل الجوانب العقائدية التي تُحرّك المقاومة، والأعمال الميدانية التي تُترجم هذه العقيدة على أرض الواقع، بالإضافة إلى الفكر الاستراتيجي الذي يُوجّه هذه الحركة. نناقش كيف تُشكّل غزة نموذجًا فريدًا للصمود في وجه التحديات، وكيف تُوازن بين الإيمان الراسخ بالحقوق الوطنية، والممارسات العملية التي تعكس هذا الإيمان، والأفكار التي تُساهم في صياغة مستقبل المقاومة
*المقاومة الجذور و الأشكال
1- الجذور التاريخية للمقاومة
تعتبر الجذور التاريخية للمقاومة في غزة جزءًا لا يتجزأ من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي يمتد لعقود طويلة. تعود هذه الجذور إلى أوائل القرن العشرين، عندما بدأت الهجرات اليهودية إلى فلسطين تحت الانتداب البريطاني، مما أثار مخاوف الفلسطينيين من فقدان أراضيهم وهُويتهم الوطنية. ومع قيام دولة إسرائيل عام 1948، شهدت غزة، كجزء من فلسطين التاريخية، موجات نزوح كبيرة للفلسطينيين الذين هُجروا من ديارهم، مما عمّق الشعور بالمظلومية والرغبة في المقاومة.
بعد حرب 1967، التي أسفرت عن احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية، أصبحت القضية الفلسطينية أكثر تعقيدًا. بدأت حركات المقاومة الفلسطينية، مثل حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في الظهور، مدفوعة بروح الكفاح من أجل التحرر الوطني واستعادة الحقوق. ومع مرور الوقت، تطورت أشكال المقاومة من الكفاح المسلح إلى أشكال أخرى تشمل المقاومة الشعبية والسياسية.
في غزة، التي تعتبر واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، تفاقمت الأوضاع الإنسانية بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007. هذا الحصار، إلى جانب الاعتداءات العسكرية المتكررة، عزز من إصرار السكان على المقاومة بكل أشكالها. حركة حماس، التي تأسست عام 1987، أصبحت واحدة من أبرز الفصائل المقاومة في غزة، حيث تتبنى خطابًا يجمع بين الجهاد والمقاومة المسلحة من جهة، والعمل الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى.
باختصار، الجذور التاريخية للمقاومة في غزة تعكس تراكمًا من المعاناة والنضال ضد الاحتلال، حيث تحولت المقاومة إلى جزء أساسي من الهوية الفلسطينية في مواجهة التحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تواجهها القضية الفلسطينية.
2- تتخذ المقاومة في غزة أشكالًا متعددة، تتنوع بين السياسية والعسكرية والاجتماعية، وذلك في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
العمل: الأداة الفعالة للمقاومة
1. المقاومة المسلحة
– العمل العسكري: تقوم فصائل مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي كتائب الشهيد عز الدين القسام، سرايا القدس، كتائب شهداء الأقصى – لواء نضال العامودي، كتائب أبو علي مصطفى، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب المقاومة الوطنية، كتائب الأنصار، كتائب المجاهدين، كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، كتائب الشهيد جهاد جبريل، جيش العاصفة، مجموعات الشهيد أيمن جودة
بتنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الإسرائيلية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والعمليات الخاصة.
– صناعة الأسلحة المحلية:
صناعة الأسلحة المحلية فى غزة
صناعة الأسلحة المحلية في غزة تُعتبر ظاهرة ناتجة عن الظروف السياسية والأمنية المعقدة التي تعيشها المنطقة. بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007، والذي يحد من دخول المواد الخام والمعدات العسكرية، لجأت بعض الفصائل الفلسطينية إلى تطوير صناعة أسلحة محلية لتلبية احتياجاتها الدفاعية أو الهجومية.
أبرز ملامح صناعة الأسلحة المحلية في غزة:
الصواريخ والهاونات:
تُصنع صواريخ بدائية مثل صواريخ “قسام” و”م-75″ محليًا باستخدام مواد بسيطة متوفرة في غزة.
يتم تصنيع هذه الصواريخ من أنابيب معدنية ووقود صاروخي مصنوع من مواد كيميائية محلية أو مهربة.
تتراوح مديات هذه الصواريخ من بضعة كيلومترات إلى عشرات الكيلومترات، وتختلف دقتها وقوتها التدميرية.
الأسلحة الخفيفة:
يتم تصنيع أسلحة خفيفة مثل الرشاشات والقنابل اليدوية باستخدام أدوات بدائية ومواد متوفرة.
بعض هذه الأسلحة يتم تعديلها أو تجميعها من أجزاء أسلحة قديمة أو مهربة.
العبوات الناسفة والأجهزة المتفجرة:
تُصنع عبوات ناسفة وأجهزة تفجير بدائية باستخدام مواد كيميائية مثل نترات الأمونيوم أو مواد متفجرة أخرى.
تُستخدم هذه العبوات في عمليات عسكرية أو مقاومة ضد القوات الإسرائيلية.
الطائرات المسيرة (الدرونز):
في السنوات الأخيرة، تم تطوير طائرات مسيرة محلية الصنع لأغراض استطلاعية أو هجومية.
بعض هذه الطائرات يتم تحميلها بمواد متفجرة لاستخدامها في عمليات محدودة.
2. المقاومة الشعبية
– المظاهرات والاحتجاجات: تنظيم مسيرات مثل مسيرات العودة الكبرى عام 2018 للمطالبة بحق العودة وإنهاء الحصار.
– الإضرابات: استخدام الإضرابات العامة كوسيلة للضغط السياسي والاقتصادي.
3. المقاومة السياسية والدبلوماسية
– الدعوة الدولية: العمل على كسب التأييد الدولي من خلال المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.
– التواصل الإعلامي: استخدام وسائل الإعلام لنشر القضية الفلسطينية وكشف الانتهاكات الإسرائيلية.
4. المقاومة الاقتصادية
– مقاطعة البضائع الإسرائيلية: تشجيع المقاطعة الاقتصادية للضغط على إسرائيل.
– تعزيز الاقتصاد المحلي: دعم المنتجات المحلية لتقليل الاعتماد على إسرائيل.
5. المقاومة الثقافية والفنية
– الفن والثقافة: استخدام الفنون مثل الشعر والموسيقى والرسم لنشر الوعي وتعزيز الهوية الفلسطينية.
– التعليم: الحفاظ على الثقافة الفلسطينية من خلال التعليم ونقل التراث للأجيال الجديدة.
6. المقاومة الإلكترونية
– القرصنة الإلكترونية: تنفيذ هجمات إلكترونية على مواقع إسرائيلية.
– حملات إعلامية: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات والتوعية.
7. المقاومة الاجتماعية
– التضامن المجتمعي: تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال المساعدات المتبادلة.
– تمكين المرأة: مشاركة المرأة في أشكال المقاومة المختلفة.
8. المقاومة القانونية
– ملاحقة قضائية: تقديم شكاوى ضد إسرائيل في المحاكم الدولية.
هذه الأشكال تعكس استراتيجية متعددة الأوجه لمواجهة التحديات التي تواجهها غزة
العقيدة: الدافع الروحي للمقاوم
العقيدة الإسلامية هي الدافع الرئيسي للمقاومة. الإيمان بالحق الإلهي في الأرض، واعتبار الجهاد واجبًا دينيًا، يجعل المقاومة ليست مجرد نضال سياسي، بل هي أيضًا عبادة. هذا الإيمان هو ما يدفع الشباب إلى التضحية بحياتهم في سبيل الدفاع عن أرضهم.
العقيدة المسيحية تلعب أيضًا دورًا مهمًا في النضال. مفهوم التضحية والشهادة في سبيل القضية العادلة هو جزء من إيمانهم، مما يجعلهم شركاء في النضال الوطني
الفكر: الموجه الاستراتيجي للمقاومة
1. الفكر الإسلامي
الفكر الإسلامي يلعب دورًا مهمًا في توجيه المقاومة في غزة. المفاهيم مثل الجهاد، والشهادة، والصبر، هي جزء من الخطاب الديني الذي يعزز الروح المقاومة. هذا الفكر ليس مجرد نظريات، بل هو ممارسة يومية يتجلى في حياة الناس.
2. الفكر الوطني
الفكر الوطني الفلسطيني، الذي يجمع بين الإسلاميين والعلمانيين، هو أيضًا جزء مهم من الموجه الاستراتيجي للمقاومة. هذا الفكر يؤكد على الوحدة الوطنية، وضرورة التنسيق بين الفصائل المختلفة لتحقيق الأهداف المشتركة.
3. الفكر الإنساني
الفكر الإنساني، الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية عدالة إنسانية، يلعب دورًا في كسب التعاطف الدولي. العديد من المنظمات الدولية والناشطين حول العالم يعبرون عن تضامنهم مع غزة، مؤكدين على شرعية نضالها.
الخاتمة
غزة هي مثال حي على أن المقاومة ليست مجرد صراع مسلح، بل هي نسيج متكامل من العقيدة، والعمل، والفكر. العقيدة هي الدافع الروحي الذي يدفع الناس إلى التضحية، والعمل هو الأداة الفعالة التي تحقق الأهداف، والفكر هو الموجه الاستراتيجي الذي يحدد الاتجاه. رغم كل التحديات، تبقى غزة رمزًا للصمود والإيمان، تثبت للعالم أن الإرادة البشرية يمكن أن تتغلب على كل الصعاب
و للمقال بقية