خلال مؤتمر “بلتيمور” الذي انعقد عام ١٩٤٢ في مدينة نيويورك، طالب ما يقارب ٦٠٠ مندوب وزعيم صهيوني من فلسطين وأوروبا وأمريكا بتأسيس “كومنولث يهودي” على أرض فلسطين التاريخية الكنعانية. وكان “ديفيد بن غوريون” قد نفخ في المؤتمر الروح الجديدة القتالية التي تتسم بالإرهاب.
وقد تضمن برنامج المؤتمر أن “يكون لجماعات المستوطنين جيشها الذي يقاتل تحت علمها، بالإضافة إلى فتح أبواب فلسطين أمام هجرة غير محدودة بإشراف الوكالة اليهودية التي يجب أيضا منحها سلطة بناء البلاد وتنمية أراضيها الشاغرة وغير المزروعة”.
وكان من ضمن النتائج التي حققها مؤتمر “بلتيمور” فوزا معنويا لمؤسسي وأتباع “الصهيونية التنقيحية أو التصحيحية” التي أسسها “زئيف جابوتنسكي” وكنت قد تناولت ذلك في مقالات سابقة. والأهم أن “بن غوريون” والأغلبية التي تسمى بالمعتدلة لحقت بالمتطرف “مناحيم بيغن” وبقية المتطرفين.
وقد فسر علماء القانون اليهود مؤتمر “بلتيمور” بأنه ” لا يعني منح الشعب اليهودي وطنا في فلسطين فحسب بل وطنا قوميا، ومعنى قوميا الانتماء لأمة.. ومن المنطقي أن وطنا قوميا يعد مرادفا لدولة..ما بدأ يفرض جوا معينا على المستوطنين. وكان التنقيحيون هم أول من أعلن في المعسكر الصهيوني أن الدولة هي عقيدة أساسية لديهم”.
ومن المعروف بأن هؤلاء التنقيحيون قد نشأوا على روح التعصب والتطرف والنزعة العسكرية التي أطلق عليها “القومية” التي ينشأ عليها وإلى اليوم الجيل الجديد.
ومنذ ذلك الوقت وثقل المركز الصهيوني كان قد انتقل من يهود الشتات إلى المستوطنين في فلسطين والذين سعوا إلى تحقيق حلم “جابوتنسكي” بإقامة دولة يهودية بدون عرب وبأية وسيلة كانت.
وكان تحقيق تلك الدولة النقية غاية لن تتحقق ٱلا بأسلوب واحد، وهو إطلاق يد الإرهاب للتخلص من أصحاب الأرض الشرعيين. إلا أن هذه الوسيلة لم تنجح بتحقيق غاية “جابوتنسكي” ومن جاء بعده بنقاء الدولة، سواء كانوا من اليمين المتطرف أو العمل الذي يوسم بالاعتدال زيفا وكذبا.
فالغاية هي ذاتها والوسيلة لم تتغير، فجميع من حكم دولة الاحتلال بدءا بالعمل وانتهاء باليمين انتهح أساليب القمع والتنكيل والفتل والتهجير مع الشعب الفلسطيني منذ قيام الدولة وحتى يوم السابع من أكتوبر/٢٠٢٣ حين شن جيش الاحتلال حرب الإبادة الجماعية وتدمير البنى التحتية وارتكاب الجرائم الإنسانية، فوقفت له المقاومة الفلسطينية بالمرصاد وأوقعت به ولا تزال الخسائر على كافة المستويات، وعندما لم يحقق هذا الجيش بقيادة زعيم الشر “بنيامين نتنياهو” أية انتصارات في غزة انتقلت عمليات إجرامية مشابهة لما يحدث في غزة إلى الضفة الغربية، كان للمستوطنيين الدور الكبير فيها.
حيث شهدت المدن والقرى الفلسطينية عدد من الاعتداءات من قبل أولئك المستوطنين ،وصلت حد إطلاق الرصاص على المدنيين الفلسطينيين وحرق لممتلكاتهم. والأقبح الاقتحامات المتكررة والسافرة للمسجد الأقصى بقيادة الوزراء المتطرفين أمثال “بن غفير” والذي وصلت به الوقاحة إلى إطلاق تصريحات مضمونها نيته في إقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك.
ومن المعروف بأن دولة الاحتلال بعد السابع من أكتوبر سلحت آلاف المستوطنين بالأسلحة والصواريخ وأطلقت يد إرهابهم ليعيثوا فسادا في الضفة الغربية.
وكل هذا والكثير من الفظائع يحصل أمام دياثة الأنظمة العربية وتواطئها مع هذه الجرائم من إبادة ومحاولات التهجير من غزة والضفة الغربية وكافة فلسطين. فأهل الضفة الغربية تخنقهم المستوطنات والمستوطنون وأهل غزة الصواريخ الغادرة من فوق رؤوسهم تدفع بهم نحو البحر. فكأن هذه الأنظمة تسعى للقضاء على غزة والضفة والتخلص من مقاومتها، وكأنها باتت أيضا القدم التي تركض ليكون لها الشرف في تحقق دولة النقاء لليهود إرضاء لأسيادهم من مجلس الشيطان.