إيرانيون يرفعون دمى لنتنياهو وترامب خلال مسيرة مناهضة لإسرائيل أمس (أ ف ب)

جريدة الأخبار -

في إشارة إلى نية “العهد” الأميركي القادم الاستشراس، بشكل أكبر، في حماية إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو، أقرّ مجلس النواب، أمس، بأغلبية 243 صوتاً مقابل 140، بعد انضمام 45 ديموقراطياً إلى الجمهوريين الموافقين عليه، تشريعاً بفرض عقوبات على المسؤولين في “المحكمة الجنائية الدولية”، على خلفية تحرك الأخيرة لاتهام كبار قادة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، وفرض عقوبات عليهم. وعلى الرغم من أنّ الإجراء الأخير هو واحد من بين عدة إجراءات دفع الجمهوريون في المجلس في اتجاهها، العام الماضي، قبل أن يسقطها “مجلس الشيوخ” ذو الأغلبية الديموقراطية، إلا أنّه مع سيطرة الجمهوريين على كلا مجلسَي الكونغرس، وفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، فقد أُسقطت جميع الحواجز التي قد تحول دون إقراره.
ويمنح مشروع القانون الرئيس القادم القدرة على تجميد أصول أي مسؤول أجنبي ساهم مادياً أو مالياً في جهود المحكمة لـ”التحقيق أو القبض على شخص محميّ أو احتجازه أو مقاضاته”، جنباً إلى جنب فرض عقوبات عليهم وعلى عائلاتهم، علماً أنّ مصطلح “الأشخاص المحميّين” يشمل جميع المسؤولين العسكريين والحكوميين الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة أو في “الدول الحليفة” لها، من الذين لم يوافقوا على اختصاص المحكمة، من مثل إسرائيل.
كذلك، خلُص مشروع القانون إلى أنّ “الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا طرفين في (نظام روما الأساسي) أو أعضاء في (المحكمة الجنائية الدولية)، وبالتالي ليس للأخيرة أي شرعية أو اختصاص” عليهما. وبذريعة عدم تمتع المحكمة بـ”الاختصاص القضائي” ذي الصلة، أكّد رعاة مشروع القرار أيضاً أنّ “إجراءات (الجنائية الدولية) ضد إسرائيل، بما في ذلك الفحص الأولي والتحقيق معها وإصدار أوامر اعتقال ضد المسؤولين الإسرائيليين، غير شرعية ولا أساس لها من الصحة، وتشكل سابقة مضرّة، تهدد الولايات المتحدة وإسرائيل وجميع شركاء واشنطن الذين لم يوافقوا على اختصاصها”.

وفيما وصف الرئيس الحالي، جو بايدن، في وقت سابق، مذكرة التوقيف الصادرة بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بـ”الشائنة”، إلا أنّه عارض معاقبة المحكمة على خلفية قرارها. وليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها ترامب ابتزاز المسؤولين في المحكمة بـ”العقوبات”، إذ كان قد وافق، في أيلول 2020، على فرض عقوبات تستهدف أعضاء فيها على خلفية مشاركتهم “في مساعي التحقيق مع الموظفين الأميركيين”. على أنّ القرار المتعلق بـ”الجنائية الدولية”، والذي يندرج ضمن “حزمة قواعد” أوسع نطاقاً، لم يمرّ من دون بعض المعارضة، ولا سيما من جهة عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية كنتاكي، توماس ماسي، الذي أكّد في منشور عبر “إكس”، أنّ “الولايات المتحدة دولة ذات سيادة، لذلك لا أعطي أي مصداقية لقرارات (المحكمة الجنائية الدولية)”، متسائلاً في المقابل: “كيف تم التصويت على مشروع قانون لحماية نتنياهو في حزمة قواعد مجلس النواب (…) أين أولوياتنا؟”، علماً أنّه خلال عملية إقرار المشروع، اكتفى ماسي بالتصويت بكلمة “حاضر”.

على الضفة المقابلة، تتالت التصريحات الصادرة عن أنصار إسرائيل في المجلس، والذين عمدوا إلى “تقريع” المحكمة وإهانة أعضائها. ومن بين هؤلاء، النائب بريان ماست، الجمهوري من فلوريدا، ورئيس “لجنة الشؤون الخارجية” في مجلس النواب، والذي أكد أنّ واشنطن تمرّر هذا القانون لأن “محكمة الكنغر” تسعى إلى اعتقال “رئيس وزراء حليفتنا العظيمة”، متهماً المحكمة بمعاداة السامية، ومحاولة منع الجيش الإسرائيلي من تحقيق مهمته في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والأميركيين المحتجزين لدى “حماس”. وأضاف: “يرسل مشروع القانون هذا رسالة مهمة للغاية في جميع أنحاء العالم”، مفادها: “لا تقفوا في طريق أميركا أو حلفائنا الذين يحاولون إعادة شعبنا إلى الوطن”، مهدداً بأنه “لن يتم منحكم أي فلس، ومرة أخرى، لن يكون مرحّباً بكم على الأراضي الأميركية”. بدوره، وصف النائب تشيب روي، الجمهوري عن ولاية تكساس ومؤلف مشروع القانون، الأخير بـ”المهم للغاية، ليس فقط بالنسبة إلى صداقتنا مع حليفتنا إسرائيل ولكن لأمننا القومي، وحماية رجالنا ونسائنا بالزيّ العسكري”، لافتاً إلى أنّه “إذا فشلت الولايات المتحدة في فرض عقوبات على المحكمة، فقد يتم استهداف أفراد الخدمة الأميركية بسبب سلوكهم في النزاعات الخارجية”، علماً أنّ قرار المحكمة الدولية يؤرق الولايات المتحدة لا لأنه يستهدف إسرائيل فقط، بل لأنّ صناع السياسة الأميركيين يتخوفون من أن تتم محاسبتهم بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها بلادهم في مختلف أنحاء العالم.

الجدير ذكره، أنّ مجلس النواب لن يكون قادراً على التصويت على مشروع القرار قبل تعيين “لجنة القواعد”، والذي قد يطرح تحدّياً بالنسبة إلى الجمهوريين، ولا سيما أنّ زعيم الأقلية الجمهورية السابق في المجلس اضطر إلى تعيين ثلاثة أعضاء من “كتلة الحرية” في اللجنة، ضمّوا أصواتهم، بانتظام، إلى الديموقراطيين لإسقاط عدد من التشريعات. ومن المتوقع أن تبدأ تعيينات اللجنة منذ اليوم على أقل تقدير.

“الاستفراد” بالحكم

وسيندرج القرار المتعلق بـ”الجنائية الدولية” في إطار “حزمة قواعد” أوسع نطاقاً، تعكس بنودها نية الجمهوريين الواضحة التفرد في الحكم خلال عهد ترامب القادم. وتهدف الحزمة، التي صوّت عليها مجلس النواب، بداية الشهر الجاري، إلى حماية رئيس مجلس النواب الجمهوري، والذي أعيد انتخابه حديثاً، مايك جونسون، من أي محاولة من قبل الديموقراطيين للإطاحة به؛ إذ تمنع القواعد الجديدة إجراء تصويت على عزله، من دون الحصول على تأييد تسعة جمهوريين على الأقل، علماً أنّه حتى اللحظة، كان بإمكان أي عضو، من أي من الحزبين، التقدم بمثل ذلك الاقتراح.


وكان الديموقراطيون قد استخدموا تلك الصلاحية لعزل رئيس المجلس السابق، كيفن مكارثين، في عام 2023، فيما نجا جونسون، من جهته، من محاولة للإطاحة به في نيسان الماضي. وعليه، انتقد الديموقراطيون القواعد الجديدة المشار إليها، مشيرين إلى أنه، ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، سيتم منع حزب يتمتع بأقلية الأعضاء من تقديم “اقتراح الإخلاء” ضدّ رئيس المجلس. إلى ذلك، تلغي حزمة القواعد المكونة من 37 صفحة رسمياً “مكتب التنوع والشمول” التابع لـ”النواب”، وهو ما كان يطمح إليه الجمهوريون منذ مدة طويلة، جنباً إلى جنب تغيير أسماء عدد من اللجان في المجلس، ولا سيما التي تغيّرت في عهد بايدن. ومن جملة القضايا التي تشملها مشاريع القوانين المنضوية في الحزمة أيضاً، أمن الحدود ومشاركة المتحوّلين جنسياً في الرياضة وغيرها من القضايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *