كتب: جودة فرج

في عالم السياسة الشرق أوسطية، حيث الخطابات والتصريحات قد تكون أكثر إثارة من الأحداث نفسها، تظهر تصريحات الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب كعاصفة جديدة تهز المنطقة. تصريحاته الأخيرة حول تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن أثارت جدلاً واسعًا، ليس فقط بسبب طبيعتها المثيرة للجدل، ولكن أيضًا بسبب التداعيات المحتملة على الأنظمة العربية، خاصة تلك التي توصف بالديكتاتورية. فهل تستطيع هذه الأنظمة الصمود أمام هذه التصريحات، أم أن العاصفة القادمة قد تكون أقوى من قدرتها على التحمل؟

 *ترامب واللعبة السياسية: بين الصدمة والواقع

دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي ، معروف بأسلوبه الصادم والمباشر في التعبير عن آرائه. تصريحاته الأخيرة حول تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن ليست الأولى من نوعها، ولكنها تأتي في وقت يشهد توترات متصاعدة في المنطقة. ترامب، الذي يصف نفسه بالرجل الذي “يعرف كيف يحل المشاكل”، يطرح فكرة التهجير كحل سريع لأزمة غزة، متجاهلاً التعقيدات السياسية والاجتماعية والإنسانية التي ترتبط بهذا الاقتراح.

ولكن، هل هذه التصريحات تعكس تغييرًا في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، أم أنها مجرد كلمات تهدف إلى إثارة الضجيج الإعلامي؟ في الواقع، ترامب ليس أول رئيس أمريكي يطرح حلولاً مثيرة للجدل للقضية الفلسطينية. ولكن الفرق هنا هو أسلوبه المباشر والصادم، الذي قد يخلق توترات دبلوماسية، ولكنه نادرًا ما يترجم إلى سياسات فعلية.

* الديكتاتوريات العربية: بين القمع والمرونة

الأنظمة الديكتاتورية العربية ليست جديدة على مشهد النقد الدولي أو الضغوط الخارجية. لقد صمدت هذه الأنظمة أمام موجات من الاحتجاجات الداخلية والضغوط الخارجية، من الربيع العربي إلى العقوبات الاقتصادية. السر في صمودها يكمن في قدرتها على التكيف مع الظروف المتغيرة، واستخدام أدوات القمع والترهيب بذكاء.

على سبيل المثال، تستخدم هذه الأنظمة أجهزة أمنية قوية لقمع أي معارضة داخلية، بالإضافة إلى التحكم في وسائل الإعلام لتشكيل الرأي العام. كما أنها تلعب على وتر الخوف من الفوضى والانقسامات الطائفية لإبقاء الشعوب تحت السيطرة. ولكن، ماذا عن الضغوط الخارجية، خاصة عندما تأتي من قوة عظمى مثل الولايات المتحدة؟

* تصريحات ترامب: هل هي تهديد حقيقي؟

تصريحات ترامب حول تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن قد تكون صادمة، ولكنها قد لا تشكل تهديدًا حقيقيًا للأنظمة الديكتاتورية العربية. هذه الأنظمة تعلم جيدًا أن الكلمات وحدها لا تسقط أنظمة. ما يهم هو الإجراءات الفعلية، مثل العقوبات الاقتصادية أو الدعم المباشر للمعارضة. و هذا لم يحدث سوى مع الحالة السورية و حزب الله جنوب لبنان ،

بل على العكس، قد تستخدم هذه الأنظمة تصريحات ترامب كأداة لتعزيز شرعيتها الداخلية، من خلال تصوير نفسها كضحية للتدخلات الخارجية. هذا الأسلوب كان فعالاً في الماضي، حيث استخدمت الأنظمة العربية الخطاب المعادي للإمبريالية لتبرير قمعها الداخلي و هذا ما يحدث الأن فى الحالة المصرية و الأردنية

* التداعيات المحتملة: بين الاستقرار والفوضى

تصريحات ترامب حول تهجير أهل غزة قد تكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة. مصر والأردن، الدولتان اللتان تم ذكرها في التصريحات، تواجهان بالفعل تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة. أي محاولة لتهجير سكان غزة إلى هذه الدول قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الداخلية، وخلق توترات اجتماعية وسياسية جديدة.

في مصر، حيث النظام الحالي يعتمد على خطاب الاستقرار والأمن، قد تكون فكرة استقبال مزيد من اللاجئين بمثابة كابوس سياسي. النظام المصري، الذي يواجه بالفعل انتقادات دولية بسبب سجله في مجال حقوق الإنسان، قد يجد نفسه في موقف صعب إذا اضطر إلى التعامل مع أزمة لاجئين جديدة.

في الأردن، حيث نسبة كبيرة من السكان هم بالفعل من أصل فلسطيني، قد تكون فكرة تهجير مزيد من الفلسطينيين بمثابة قنبلة موقوتة. النظام الأردني، الذي يعتمد على توازن دقيق بين مختلف المكونات الاجتماعية، قد يجد نفسه في موقف صعب إذا اضطر إلى استيعاب مزيد من اللاجئين.

*المستقبل: بين التغيير والاستمرارية

السؤال الأهم هو: هل يمكن أن تؤدي تصريحات ترامب، جنبًا إلى جنب مع عوامل أخرى، إلى تغيير حقيقي في المنطقة؟ الإجابة معقدة. التغيير الحقيقي يحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات. يحتاج إلى حركات شعبية قوية، ودعم دولي حقيقي، وإرادة سياسية للتغيير.

في النهاية، الديكتاتوريات العربية لديها من الأدوات والخبرات ما يمكنها من الصمود أمام تصريحات ترامب، بل وقد تستخدمها لتعزيز قبضتها على السلطة. ولكن، مع استمرار الضغوط الداخلية والخارجية، قد تصل هذه الأنظمة إلى نقطة الانهيار، خاصة إذا اجتمعت عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية لخلق بيئة مواتية للتغيير.

*** فى النهاية

 تصريحات ترامب الأخيرة حول تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن قد تهز الصورة الخارجية للأنظمة الديكتاتورية العربية، ولكنها ليست كافية لإسقاطها. هذه الأنظمة لديها من المرونة والدهاء ما يمكنها من الصمود أمام العواصف الإعلامية. ولكن، مع استمرار الضغوط الداخلية والخارجية، قد تكون نهاية هذه الأنظمة مسألة وقت فقط. السؤال الحقيقي هو: متى وكيف سيحدث هذا التغيير؟ وهل ستكون تصريحات ترامب مجرد فقاعة إعلامية، أم أنها ستكون الشرارة التي تشعل التغيير الحقيقي في المنطقة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *