كتب: أحمد رضا نيفة

بعد انضمام مصر الى دعوى جنوب افريقيا ضد اسرائيل أمام محكمة العدل الدولية ، يتساءل الكثيرون عن تأثير ذلك على علاقة السلام المصرية الاسرائيلية ، ويكثر الكلام في الاعلام عن تبعات ذلك على معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية او اتفاقية كامب ديفيد للسلام ! 

والحقيقة أنه يختلط الامر لدى الكثير من الناس داخل مصر وفي العالم العربي حول الفارق بين اتفاقية كامب ديفيد للسلام ومعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية ، وحتى كثير من الشخصيات العامة والمشاهيرالذين يظهرون في الاعلام يخلطون بين الأمرين ! فما الفارق بينهما ؟ أو السؤال بشكل آخر ما هو الميثاق الدولي الذي يربط بين مصر واسرائيل الآن؟

الحقيقة ان ما يربط بين مصر واسرائيل الآن هو معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية التي وقعت سنة ١٩٧٩. أما اتفاقية كامب ديفيد للسلام والتي وقعت سنة  ١٩٧٨  أي قبلها بعام .. هي في واقع الأمر.. اتفاقية مؤقتة او اتفاق مبادئ ، او كما يطلق عليه احيانا اتفاقية إطارية.

إذن كامب ديفيد هي نوع من التفاهم المرحلي بين الطرفين وصل له المصريون والاسرائيليون بعد تفاوض استمر عدة سنوات ، ثم وضعوا هذا التفاهم في ورقتين وانتهت فعليا بتوقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية عام ١٩٧٩ ، اذن كانت مسألة مؤقتة ولكنها طبعا حظيت بشهرة وصيت كبيرين و رسخت في اذهان معظم الشعب العربي ، لقد كانت أول مرة تحدث في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ان توقع دولة عربية اتفاقا مع اسرائيل بشكل مباشر، فكانت كالصدمة في حينها ولذلك حظيت بهذه الشهرة ، وبناء عليها اتجه الطرفان للمفاوضات النهائية والتي استطاعا من خلالها ان يصلا الى معاهدة نهائية  في العام التالي …. فهي كما يقول المصريون بالعامية المصرية هي.. ربط كلام.

 

ووفقا للبروتوكول في هذا النوع من الاتفاقيات يوقع كل طرف بالأحرف الاولى فمثلا الرئيس المصري محمد انور السادات وقع هكذا M.A.S وكذلك الطرف الاخر وكذلك الشهود.

 طبعا اتفاقية كامب ديفيد  ليست لها صفة وجوبية ، حتى انه كان هناك بعض البنود فيها ، التي لم يتم الاتفاق النهائي عليها أو تم تخطيها في صياغة معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية.

يعني مثلا كان هناك اتفاقا مبدئيا على ان يكون هناك مسار للمفاوضات الفلسطينية ومسار آخر للمفاوضات العربية ، لكنه ايضا لم يتم الاتفاق النهائي على ذلك ، أظن ايضا انه كان هناك اتفاق على ان يكون هناك ممر آمن بين الضفة وغزة بحيث يستطيع الفلسطينيون ان يتحركوا بسهولة بين الشطرين ، وايضا في المفاوضات النهائية لمعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية لم يتم الاتفاق على ذلك. إذن في تشبيه بسيط في حياتنا الاجتماعية بين المسألتين.. يمكننا القول ان الفارق بينهما يشبه علاقه الخطوبة والزواج. الخطوبة وهي اتفاق مبدئي اجتماعي بين العائلتين ليس له صفة رسمية امام القانون وقد يتم تغييره أو تعديله عند اتمام عقد القران او حتى الغاء الأمر برمته. لكن الزواج هو العلاقة الرسمية المستديمة. 

بمجرد توقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية وهي العقد المستديم و الوجوبي .. انتهت تماما كامب ديفيد ولم يتبقى منها الا الذكريات.

لكن السؤال لماذا تحظى كامب ديفيد بشهرة كبيرة و طاغية ، بينما لا تحظى معاهدة  السلام المصرية الاسرائيلية بنفس القدر من الشهرة ؟ 

والحقيقة ان هذا ربما يعود لسببين ، الاول ان كامب ديفيد وقُعت اولا .. فكانت كالصدمة ولذا اخذت الشهرة الاولى وكما يقول المثل .. الانطباعات الاولى تدوم .. السبب الثاني ان اسم كامب ديفيد في حد ذاته هو اسم شهرة ! اسم سهل حتى لمن لا يعرف اللغة الانجليزية يسهل حفظه وترديده.

تسمية كامب بديفيد ..هي على اسم المكان الذي تم توقيع في هذه الفاعلية وهو قصر مضيفة تابع للرئاسة الامريكية .. منتجع رئاسي موجود خارج العاصمة الامريكية واشنطن وتمت فيه هذه المراسم.

 

في النهاية أشاهد الكثير من السياسيين المعارضين في مصر، الذين يظهرون على الشاشات و يتلاعبون بالكلام أمام الرأي العام ، فهم يقومون بالتهجم الشديد على اتفاقية كامب ديفيد و يطالبون بالغائها ويقطّعون أوصالها ! من أجل دغدغة عواطف الجماهير، بينما لا يذكرون شيئا عن معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية .. طبعا هم يعرفون الفارق جيداً و يدركون أن أغلب الناس لا تعي الفارق بين الاتفاقية والمعاهدة  وأن الاتفاقية الآن ليس لها أي أهمية ! وهم بذلك كمن يهاجم ميتاً. في المستقبل اذا اصبح لأي سياسي من هؤلاء منصب شعبي او رسمي .. يمكنه ان يتنصل من هذا الكلام بسهولة ، فهو كان ينتقد كامب ديفيد المنتهية .. 

يعني تماما كالزوج الذي ينبري لينتقد ويهاجم الخطوبة .. بينما لا يجرؤ ان يتحدث عن الزواج.. !

 

By أحمد رضا

https://youtube.com/@user-pj7ly4ti4p?si=Gsd96x0vQWAtWA30 مهندس و مفكر سياسي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *