كتب: أحمد رضا نيفة

كانت مظاهرات الطلبة بالجامعات الامريكية هذا العام حدثاً استثنائياً بكل المقاييس، قلبت الطاولة على صناع السياسة الامريكيين وكذلك على داعمي اسرائيل

لأول مرة في تاريخ أمريكا تحدث مظاهرات ضخمة وخشنة  في معظم الجامعات الامريكية وأهمها على الاطلاق وفي جميع الأنحاء شرقا وغربا .. جنوبا وشمالا ، لتؤيد قضية خارجية ليست أمريكا طرفاً مباشراً فيها، لم يحدث ذلك أبدا في التاريخ..! نعم حدثت مظاهرات للطلبة الامريكيين من قبل ولكن لأحداث امريكية بحتة .. مثل حرب فيتنام او حرب العراق او أمور داخلية تخص الاحوال المعيشية الأمريكية او السياسة الداخلية، لكن ان تحدث مظاهرات بهذه الكثافة لحدث خارجي ليست امريكا طرفاً فيه، فهو أمر غير مسبوق..!

 

تفاجأت اسرائيل وفوجئ معها مؤيدو إسرائيل من المنظمات الامريكيه اليهودية وعلى رأسها منظمة “الايباك AIPAC” الداعم الأول والأقوى لإسرائيل في أمريكا.

ففي الوقت الذي هم موقنون بأنهم يحكمون قبضتهم على كل كلاسيكيات أدوات السياسة الامريكية المعروفة.. من الكونغرس والمجالس النيابية والحزبين الرئيسيين، فالبيت الأبيض وانتهاء بالإعلام، مما يضمن احكام القبضة على الرأى العام الأمريكي و عقله الجمعي..! إذا بمتغير جديد لم يكن على البال أو الخاطر، يهز كل مضاجعهم.. هو الشباب..!

وليس أي شباب .. وإنما هم صفوة الشباب الأمريكي و بأعداد غفيرة و معظمهم امريكيين اصلين و ليسوا مهاجرين أو مسلمين.. إنهم طلبة كبريات الجامعات الامريكية.. جامعة كولومبيا، وهارفارد، ام اي تي MIT، بنسلفانيا، جورج واشنطن، جورج تاون، كاليفورنيا، أريزونا، تكساس، … و القائمة تطول

  

لقد كسر هؤلاء الشباب حاجز اللا إدراك حاجز التجهيل الذي فُرض على المجتمع الامريكي،

ليدركوا حقيقة الغبن الكبير الذي يحدث في قلب العالم من الدولة اليهودية ضد شعب فلسطين المحتل من القتل الممنهج والاحتلال المتواصل والحصار و التجويع والقصف المتواصل.. ليدركوا ويعلنوا حقيقة السفاح الذي يدعي أنه.. ملاك..

لقد عبر هؤلاء الطلبة بمظاهرات هائلة واعتصامات داخل الحرم الجامعي، ومطالب منطقية بعدم دعم جامعاتهم أكاديمياً للشركات المتعاونة مع اسرائيل أو قبول مشروعاتها البحثية، ورفض البحث العلمي المتعاون مع اسرائيل وتغيير السياسة العامة للدولة و التي تمنح اسرائيل شيكا على بياض.

لقد بدأت شرائح من الشعب الامريكي تتغير وحدثت حلحلة للرأي العام التقليدي الداعم لاسرائيل. إن الفضل في ذلك يعود لشبكات التواصل الاجتماعي والاعلام المستجد من قنوات مثل الديمقراطيه الان وبريكنج بوينت وغيرها لتكسر قدس أقداس السيطرة الاعلامية للشبكات الإخبارية و الصحف و محطات التليفزيون التقليدية، فتنسف مفاهيم السيادة الإعلامية كما كان يطلق عليها صفوت الشريف في مصر “وزير إعلامها التاريخي”

 

  إن اكثر ما يؤرق داعمي اسرائيل ان هؤلاء الشباب هم طلبة جامعات النخبة لطلبة كليات.. الاقتصاد والعلوم السياسية، والقانون، والدراسات الإنسانية وغيرهم في أقوى الجامعات.. فهم يمثلون المستودع المستقبلي للسياسيين الامريكيين وصناع القرار والنواب. إن جميع السياسيين الامريكيين و النخب تخرجوا في هذه الكليات والجامعات..! مما يعني انه و بعد 20 عاما سيأتي من هؤلاء.. نواب الكونغرس والوزراء و قادة المنظمات السياسية والمجتمع المدني وحتى من يكون رئيسا لامريكا..

 

المتفائلون.. يقولون ان المستقبل سيتغير بفضل هؤلاء الشباب الذين سيمثلون طليعة تغيير السياسة الامريكية لصالح القضية الفلسطينية..

المتشائمون.. يقولون انه لا داعي للإفراط في التفاؤل، لأن هؤلاء الشباب النقي الآن سيتلوثون..سوف تلوثهم مفارخ السياسة الامريكية الحالية. فالصعود السياسي و الفوز في أي انتخابات امريكية يحتاج لمثلث النجاح: اموال التبرعات و الكتل التصويتية و المساندة الاعلامية، و هو ما توفره بسخاء الهيئات الداعمة لإسرائيل و على راسها الايباك

لذا فإن الطامح السياسي في اللعبة السياسية الامريكية ينبغي ان يقدم قرابين الولاء والطاعة لهذه الهيئات حتى يحصل على مثلث النجاح.  

يزيد المتشائمون.. مع تقدم عمر هؤلاء الشباب النقي، سينضجون و يدركون قواعد اللعبة و مسار الواقع، ليغيروا مبادئهم وفقاً لمصالحهم. 

 

وبين التفاؤل والتشاؤم.. فان غدا البعيد..  لناظره قريب.

 

 

By أحمد رضا

https://youtube.com/@user-pj7ly4ti4p?si=Gsd96x0vQWAtWA30 مهندس و مفكر سياسي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *