بين إيران واسرائيل سجال يدور بالصواريخ والطائرات المقاتلة والمسيرات، وفي خضم متابعة هذا السجال، وبعيدا عن موقفك السياسي منه سلبا أو إيجابا، أريد التوقف عند ما قاله مسؤول اسرائيلي في الأمم المتحدة في نيويورك اليوم الأحد. ففي إطار تعليقه على موقف اسرائيل من التحركات الإيرانية وارتباطها بالتطورات التي تجري في منطقة الشرق الأوسط، قال مندوب دولة الكيان في جلسة مجلس الأمن الدولي :

” لسنا ضفدعاََ في قدر يغلي، بل نحن أمة من الأسود” !!

وطبعا بعيدا عن قصة الأسود وعلاقتها بحفاضات الجنود وضباط الجيش، وسلوك المجندين والمجندات في جيش دولة الاحتلال وعلاقته بالشججاعة والإقدام، فإن تلك العبارة استوقفتي في كلمة المندوب الرسمي لدولة الكيان أمام الاجتماع الذي انعقد اليوم الأحد ( 14 ابريل/نيسان من العام 2024 بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، والذي انتهى منذ قليل. استوقفتني العبارة لأن (نظرية الضفدع المغلي) هي تعبير مجازي عن قصة شائعة تقول إن الضفدع سوف يقفز فوراً عندما يوضع في ماء مغلي.

بينما إذا وُضِعَ في ماء معتدل الحرارة، وتمّ تسخينه ببطء، فإن الضفدع سوف يفشل في إدراك الخطر، وبالتالي فإنه لن يقفز وسيبقى في الماء محاولاً تكييف نفسه مع الحرارة. وعندما يصبح الماء حاراً لدرجة لا يستطيع الضفدع تكييف نفسه معها يشعر بالخطر ولكنه لا يستطيع القفز، لأنه يكون قد استهلك كل طاقته في محاولة التكيف مع درجة حرارة الماء المُتغيرة باستمرار، وبالتالي يموت.

أما في حال ارتفعت الحرارة بسرعة أكبر، فسوف يقفز الضفدع خارج الإناء وينجو. وعند سماع القصة لأول مرة، قد تستنتج بشكل طبيعي أن الماء المغلي هو الذي قتل الضفدع، وهو بالطبع قول صحيح جزئياً، لكن عند التفكير بشكل أعمق، يمكننا أن نرى أن العامل المُحَدِدَ لما إذا كان الضفدع سيموتُ أم لا، كان قدرته على اتخاذ قرار الخروج في الوقت المناسب من الوعاء عندما كان الماء معتدلاً، لكنه قرر التأقلم مع التغيرات التي كانت سبباً في موته أيضاً.

هذه النقطة هي “مربط الفرس”، وهي التي استوقفتني في كلمة المندوب الدائم لدولة الكيان لدى مجلس الأمن الدولي، فمن خلال معرفتي بتلك النظرية أظن أنها لم تكن أبداََ تعبر عن تجربة حقيقية لضفدع قرر أن يسبح في ماء معتدل الحرارة ولم يدرك ان هذا الماء ليس سوى قِدرُ موضوع على نارٍ هادئة.. هذه إذن مشكلة الضفدع الأولى، لأنه غافل ولم يقرأ ما حوله من معطيات بالإضافة لكونه طماعاََ وكسولاََ وانتهازياََ وضيعاََ، قرر في لحظة طمع تتوافق مع نفسه الوضيعة أن يتوقف عن التفكير بمجرد أن لاحت فرصة أمام عينيه، فقفز سريعا فى الماء دون تفكير !!

مرة أخرى، هذه مشكلة الضفدع وليست مشكلة القدر أو الماء!

إذن نظرية الضفدع المغلي تؤكد ضرورة الحذر من التغييرات التدريجية السلبية التي تحصل حتى لا تعاني الضفادع الوضيعة من خسائر مفجعة بعد فوات الأوان. حسنا، الإمارات الصليبية التي جاءت طلائع الفرنجة الأوروبيين في القرنين 12 و13 من الميلاد ليؤسسوها في بلادنا مثل إمارات (الرها وأنطاكية وطرابلس وبيت المقدس)، هم أيضا كانوا يحاولون طوال ثلاثة قرون إلا قليلا، أن يتجنبوا كونهم (ضفدع مغلي) في مياة المنطقة، لكنهم في النهاية صاروا وجبة شهية.. سواء بإرادتهم أو بدونها..لا فرق !! مياه منطقتنا ربما كانت باردة في وقت من الأوقات وهو ما شجع تلك “الضفادع” الانتهازية الوضيعة على الاستيطان فيها، ولكن وقائع التاريخ تؤكد أنهم مهما فعلوا فإنهم يذهبون الى مصيرهم المحتوم.. بالزوال والانهيار، ولا يتبقى منهم سوى بضع سطور قليلة في كتب التاريخ.. وربما مزابله في الغالب الأعم، على حسب توجه القاريء للتاريخ !

هناك أيضا نقطة أخرى جديرة بالانتباه، نظرية (الضفدع المغلي) تفترض بصورة خاطئة أن الضفدع سوف يقفز فوراً عندما يوضع مرة واحدة في ماء ساخن، أما إذا وضع في ماء معتدل الحرارة، وبعدها تم تسخين الماء ببطء فإنه لن يقفز وسيبقى في الماء حتى بعدما يصير فاترا ثم ساخنا لأنه لن يشعر بالخطر التدريجي الحاصل، وبذلك يموت عندما تصل حرارة الماء الى درجة الغليان. هذا الافتراض لم تثبت صوابيته، وعندما درس بعض العلماء المعاصرين هذه النظرية وجدوا أن الضفدع المغمور في الماء سيشعر بالخطر عندما يصبح الماء ساخناََ للغاية، وسيقفز بسرعة من الماء عندما تصبح درجة حرارته فوق احتمال الضفدع، ولا يمكن أن يظل قابعا منتظرا الموت، إلا أن يشاء الله له أن يظل قابعاََ في الماء أو في المنطقة بدون اتخاذ الخطوة الصحيحة الوحيدة وهي القفز من الماء الى خارجه قبل فوات الأوان، حتى لا يموت ويصير وجبة شهية ومطبوخة على نار هادئة. وبالتطبيق العملي لا التعبير المجازي، فإن على دولة الكيان أن تخرج من منطقتنا حتى لا يكون مصيرها مثل مصير (الضفدع المغلي) أو تواجه مصير الإمارات الصليبية التي سبقت وجودها بنحو 6 قرون على الأقل، وأن تتحول فلسطين الى نظام ديمقراطي حقيقي (مثل جنوب افريقيا) تحكمه الأغلبية من أهل البلاد وسكانها الأصليين، وأن يتم الإعلان عن تصفية ما يعرف بالحلم الصهيوني والاعتذار عما ارتكبته الحركة الصهيونية من كوارث وعلى رأسها تأسيس دولة اسرائيل، وترك البلاد لأصحابها الأصليين.

هذا هو الفعل الوحيد الصحيح الذي يتواءم مع الاتجاه الصحيح للتاريخ، وهو بالطبع ليس فعلاََ رومانسياََ أو أضغاث أحلام وتفكير بالتمني wishful thinking، لأن اليهود الذين جاءوا لفلسطين قبيل وأثناء وبعد تأسيس دولة اسرائيل لاينتمون عرقيا الى (بني اسرائيل) الذين هم من أبناء منطقتنا، والذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى. وكما يقول العلامة الدكتور جمال حمدان في كتابه (اليهود انثروبولوجياََ) فإن بني اسرائيل الذين هاجروا من منطقتنا كان لون بشرتهم إما سمراء أو أنها تميل الى السواد مثل كافة أبناء المنطقة لكنهم عندما عادوا لتأسيس دولة اسرائيل كانوا من أصحاب البشرة الشقراء أو البيضاء عموما !!

والخلاصة هي أن الذين خرجوا من منطقتنا هم من أبناء المنطقة فعلا، ولديهم كل سمات أبنائها، لكن الذين عادوا لها مع تأسيس اسرائيل لم يكونوا منها، ولا تعرفهم منطقتنا، وفقا لحمدان. إذن دولتهم عبارة عن أكذوبة كبرى. ولدينا في سورة الإسراء نبؤة قرآنية تتنبأ بمصيرهم ومصير دولتهم المزعومة بعد أن يأتي بهم الله لفيفا الى تلك الأرض التي باركنا حولها في قلب منطقتنا، كما أن لدينا أيضا في السيرة النبوية أحاديث صحيحة تتنبأ أيضا بمصيرهم المحتوم. بعضهم يعلمون بتلك النبؤات، ربما بشكل أكبر وأكثر تفصيلا من بعض المسلمين، وهؤلاء قبل غيرهم، إذا أرادوا ألا يكونوا مجرد “ضفدع في قدر يغلي” فإن عليهم أن يكونوا (رعايا) ضمن دولة تحكمها الأغلبية وفق نظام حر منبثق من ثقافة وقيم المنطقة وليس مستوردا من خارجها. هذا هو الخيار الوحيد في تقديري لتجنب مصير الضفدع المغلي أو مصير الإمارات الصليبية التي جرفها محيطها العربي المسلم وألقاها في البحر بعد أن ظلت طوال 200 عام تسعى بدأب لكي تتجنب مصير الضفدع المغلي.

أتمنى أن يكون لديهم في دولة الكيان عقلاء يتواضعون أمام الحقائق وليسوا متغطرسين مثل نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وممثل دولتهم في مجلس الأمن الذي زعم كما كان يؤكد أسلافه من الصليبيين أنهم (أمة من الأسود وليسوا محرد ضفدع في قدر مغلي)، ولو استوعب هذا (الدبلوماسي الصهيوني) حقائق ودروس التاريخ ما قال ذلك، وإنني كمسلم يؤمن بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أعتقد أن قدر الله سوف يجري عليهم حتما كما جرى على من كانوا قبلهم، ولن يكون بمقدورهم تغييره.

بعض علمائنا الشرعيين يقولون إن حمالة الحطب زوجة أبي لهب عم الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، عندما نزلت فيها وفي زوجها سورة المسد قي بداية دعوة الرسول الكريم في مكة، وتنبأت لهما السورة القرآنية بشكل قاطع بأنهما سيكونان من أهل النار ( سيصلى نارا ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد)، كان بمقدور (أم جميل الشهيرة بحمالة الحطب) هي أو زوجها أو كليهما لو أرادوا حقا الإضرار بالدين الجديد في مكة، أن يعلنا الدخول في الإسلام، فيثبتا أن نبؤة هذا القرآن غير صحيحة، وبالتالي يهدمان هذا الدين تماما في عيون غير المؤمنين به، لكنهما لم يفعلا، لأنهما يسيران الى قدر الله المحتوم، تماما مثل دولة الكيان وقادتها المتغطرسين.. وللحديث بقية. وكلمة أخيرة، أرجو الاحتفاظ بهذا المقال للتاريخ.

أحمد حسن الشرقاوي

رئيس تحرير موقع الشادوف الإخباري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *