كتبت: سارة محروس
يختلف الناس حول فكرة الإستفادة من قراءة رواية .. مجرد حكاية ! و يبرز كل تيار وجهة نظره بعدة أشكال، و في أعماق داخلي منذ بداية إهتمامي بالقراءة في سن صغيرة رُسخ إيمان بأن السبب الأدعى لوجود رواية هو أن تمشي في شوارع بلد لم تذهب إليه أبدا و توجعك أوجاع أهله و ترقص مع سعادتهم، وتضع التجربة في تكوينك جزء .
وفي منطقتنا العربية و بالإبتعاد عن التراث و الحكايات القديمة لازال هناك كُتاب معاصرين قادرين على بث روح الألفة مع الغير و التعرف عليه من خلال حكاياتهم.
و من خلال 5 روايات من البلدان العربية تعرفت على دواخل مجتمعات بطبيعة الحال لن يُعرفني عليها بصدق و معايشة سوى قراءة رواية ..
1. دِلشاد “سيرة الجوع و الشبع”.
دِلشاد اسم فارسي مركب ، (دل) بمعنى القلب و (شاد) بمعنى الفرح، إختارت الكاتبة العمانية ( بشرى خلفان) هذا الاسم لبطل روايتها و كعنوان لها، لتحكي سيرة مابين الجوع و الحرب ، نعيش مع الإنسان مأساته الأولى في محاولة إيجاد نفسه بين التهميش و الجوع في مجتمع ضيق منغلق يشبه نفسه فقط، دلشاد الطفل و الأب الذي يصطحبنا معه في رحلة صباه و زواجه و معاناته طول هذا الوقت و دورانه في ساقية الجوع و الشبع يأتيه اليوم ليستغني عن إبنته لعائلة غنية حتى يضمن لها الشبع ، فنذهب لبيت أخر مع مريم و نبدأ فصل جديد في الحكاية بعيون أُخرى ، مشاهد للمجتمع العماني مطعمة ببعض العامية القديمة الغير مفهومة لقارئ غريب عن هذه الثقافة لكنها لا تشكل عائق في فهم ما تطويه القصة متعددة الرواه و الألسنة.
2.السندباد الأعمى” أطلس البحر و الحرب”.
قراءة هذه الرواية كانت محاولة مني لمغالبة شعوري الجارف بحب كل ما تكتبه الروائية الكويتية ( بثينة العيسى) و الوقوف على الحياد حتى لا تتأثر قراءتي بمشاعري،
وقعت مرة أُخرى في حب لغة بثينة و لمعان معانيها من أول سطر.
بطلات بثينة صديقات عزيزات و بانتهائي من السندباد الأعمى وضعت(مناير) البطلة صديقة عزيزة مع أخواتها،
تبدأ الرواية في زمن غابر حيث الغزو العراقي للكويت بعيون مختلفة تماما و بإحساس أهل البيت، إعتمدت الكاتبة طريقة(الفلاش باك) في الحكي، لنذهب مع هذا السجين المجهول في أول مشهد زمن الحرب إلى الماضي حيث الذكريات ( للذكريات صوتَ الضُّباح و حدّة السّكاكين).
قصة حب ممنوعة و محرمة و طفلة تائهة و رجولة مجروحة يشكلوا القوام الأساسي لحكاية تمتد على أرض مغتصبة.
3.بريد الليل.
كتبت (هدى بركات) الروائية اللبنانية متتالية سردية في صفحات قليلة مختزلة بإحترافية وطن كامل. 5 رسائل مختلفة لبشر مختلفين ، الغربة و التشرد أصدقاء أوفياء للأوطان المقسمة، يمثل المواطن المغترب صورة لهذه الأرض البعيدة المنتهكة بكل ألامها و أحلامها المسروقة و أخطاءها.
بلغة ناعمة و وصف صريح لدواخل النفس أعتبره رسالة سادسة معتزة بنفسها، تبوح الجراح المتباينة للبشر و نتشارك شيء من إنسانياتنا مع أصحاب الرسائل.
الرواية فازت بجائزة البوكر العالمية و على مستوى القُراء أحدثت جدل حيث رأى الكثير أنها بسيطة لاتستحق و كنت أنا مع الفريق الأخر المؤمن بالتأثير المُحكم للبساطة.
4.قناع بلون السماء.
على المستوى الإنساني و لأوقات كثيرة يصر الإنسان “الفلسطيني” على ضرب الأمثلة البطولية بحبه للعيش و قدرته الهائلة على تمسكه بالحياة ، الآسير في سجون الإحتلال و الكاتب الفلسطيني(باسم خندقجي) إستطاع طوال سنوات الآسر المستمرة من عام 2004 و حتى الأن علي إخراج 7 كتب مابين روايات و دواودين شعرية،
و تأتي روايته الأخيرة (قناع بلون السماء) عن قصة شاب فلسطيني يحاول التخفي في شخص شاب آخر يحمل الجنسية الإسرائيلية و ينضم لبعثة تنقيب محاولة منه للبحث أكثر حتى يتسنى له كتابة روايته التاريخية التي يحلم بها عن مريم المجدلية.
نخرج بتجربة مكثفة عن تفاصيل الصراع و الإختلاف في هذه الرقعة من العالم و يوميات بالطبع لن ينقلها لنا بالدقة سوى عمل أدبي لكاتب يصارع كيان محتل و يُهرب الكلمة من محبسه.
5.شارع العطايف.
بلغة صريحة و توصيف يُشعر القارئ بالصدمة أحيانًا، نعرف جزء عن شوارع الرياض قديمًا ماقبل التقدم و الإنفتاح المجتمعي للسعودية، لم يكن يخطر في بالي
قبل قراءة هذا العمل للكاتب السعودي(عبدالله بن بخيت) أن يكون مدى إنتشار الشذوذ الجنسي و إنتهاك و إغتصاب المراهقين و الأطفال فيما بينهم في الشوارع بهذا الشكل، شعرت أحيانًا أنه يتحدث عن أمر عادي له محيط عريض يدور فيه رغم كل قيود المجتمع و القيم الدينية المفروضة.
عدد قليل من الشخصيات الأساسية و غيرها من الأصوات الأخرى، من خلالهم نعيش قصة رغم فجاجتها لكنها مؤلمة.
لغة عبدالله البخيت بمفردها جميلة لن تُشعرك بالوقت و لا بعدد الصفحات. رُشحت الرواية وقت صدورها في القائمة الطويلة لجائزة البوكر و أثارت جدل كبير .